وسط انخفاضات غير مسبوقة في أسعار الخام عالميا

ـ الاحتياطي العام للدولة يتوسع بمشاريعه الاستثمارية ولا تأثير للإجراءات الاحترازية على الجوانب المعيشية

إعداد ـ هيثم العايدي:
لا شك أن شهر يونيو 2014 مثل نقطة فاصلة بين مرحلتين في الاقتصاد العالمي بصفة عامة والاقتصادات الخليجية ومنها السلطنة بصفة خاصة.. ففي أقل من 7 أشهر تراجعت أسعار النفط بأكثر من 50% لتبدأ الموازنة العامة للدولة على واقع جديد يفرض تعاملا من نوع خاص يوازن بين تراجع أكيد في الإيرادات وضرورة الإبقاء على انفاقات المشاريع التنموية للحفاظ على النمو الاقتصادي وهو أمر تتخفف أثاره بفضل الأنشطة غير النفطية والعوائد الاستثمارية المنتظرة من مشاريع للأذرع الاستثمارية لحكومة السلطنة بالخارج.
فمنذ يونيو 2014 تشهدت أسعار النفط في الأسواق العالمية هبوطا مطردا، إذ كان سعر قبل الانخفاضات قد وصل إلى نحو 105 دولارات للبرميل قبل أن ينخفض إلى ما بين 45 و50 دولارا للبرميل كما انخفض ـخام برنت من 110 دولارات للبرميل إلى ما دون الـ50 دولارا وهي انخفاضات تعزا إلى عدة عوامل كازدياد المعروض ورغبة منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في الحفاظ على حصصها في السوق بعد ازدياد إنتاج النفط الصخري الأميركي وتأثير نشاط المضاربين في الأسواق إضافة إلى بعض العوامل السياسية.
ومن الطبيعي أن يلقي هذا الأمر بظلاله على الموازنة العامة للدولة التي جاءت بعجز يصل إلى 2.5 مليون ريال عماني وبإيرادات 11.6 مليار ريال عماني وحجم انفاق يصل لـ14.1 مليار ريال عماني.
وقد حرصت السلطنة على الإبقاء على معدلات الإنفاق خاصة في الجوانب الاجتماعية التي يتصدرها التعليم والإسكان والصحة والتي بلغ الإنفاق المعتمد لها 9 مليارات ريال عماني إضافة إلى مواصلة الإنفاق الاستثماري وتكملة المشاريع الإنمائية والاستمرار في تطوير ورفع كفاءة الخدمات العامة المقدمة.
كما حرصت السلطنة على عدم المساس بالمشاريع التنموية التي تحمل آفاقاً وفرصاً لتحفيز النشاط الاقتصادي في السلطنة وتوفر العديد من فرص العمل مثل مشروع سكة الحديد مرحلة (صحار ـ البريمي) واستكمال شبكة الصرف الصحي بمحافظة مسقط ومحطات الصرف الصحي بالولايات وتنفيذ الجزء الأول والثاني من ازدواجية طريق (أدم ـ ثمريت) وتنفيذ مشروع مجمع الصناعات السمكية في الدقم ومشروع تنفيذ أعمال البنية الأساسية للرصيفين التجاري والحكومي بميناء الدقم ومشروع مدينة لوى الجديدة لأهالي الولاية.
وأيضا المشروعات الاستثمارية للشركة العمانية للاستثمار الغذائي القابضة في مجالات الثروة الداجنة واللحوم الحمراء والألبان ومشروع تطوير البنية الأساسية لرفع إنتاج الاستزراع السمكي ومشاريع الشركة العُمانية للتنمية السياحية (عمران) ومشاريع الشركة العُمانية للمصافي والصناعات البتروكيماوية (أوربك) مشروع مجمع لوى للصناعات البلاستيكية، ومشروع مد خط أنابيب المنتجات النفطية (مسقط ـ صحار).
ولأن الإيرادات النفطية تمثل ما نسبته 79% من جملة الإيرادات كان من الطبيعي بل والمتوقع أن تتراجع هذه الإيرادات.
فبحسب البيانات والإحصاءات الرسمية فقد تراجع صافي جملة إيرادات السلطنة بنهاية أغسطس الماضي بنسبة 36.3% لتبلغ 5.9 مليار ريال عماني مقارنة مع 9.3 مليار ريال عماني خلال نفس الفترة من العام الماضي.
وكان التراجع الأكبر في صافي إيرادات النفط التي انخفضت بنسبة بنسبة 45.8% لتبلغ 3.7 مليار ريال عماني مقارنة مع 6.9 مليار ريال عماني خلال نفس الفترة من عام 2014.
ومن هنا كان لا بد من التركيز على الإيرادات غير النفطية والعمل على زيادتها مع اتخاذ
إجراءات احترازية في سبيل الحفاظ على سلامة واستقرار الوضع المالي والاقتصادي ومكتسبات التنمية.
ففيما يخص الإيرادات غير النفطية أظهر تقرير ملامح الاقتصاد العماني الصادر عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات والذي يتابع المسارات الرئيسية للاقتصاد العماني والعلاقات الاقتصادية الكلية الرئيسية وفقاً للبيانات الدورية الرسمية ارتفاعا بالقيمة المضافة للأنشطة غير النفطية والخدمية.
فقد ارتفعت القيمة المضافة للأنشطة غير النفطية بنسبة بلغت 4.1% لتصل بنهاية مارس 2015م إلى 4.4 مليار ريال عماني مقارنة بـ 4.3 مليار ريال عماني خلال نفس الفترة من العام 2014.
وذكر التقرير أن القيمة المضافة للأنشطة الخدمية ارتفعت بنهاية مارس 2015 إلى 3.2 مليار ريال عماني مقارنة بنحو 3 مليارات ريال عماني في نهاية مارس 2014م.
كما ارتفعت القيمة المضافة لنشاط النقل والتخزين والاتصالات بنسبة 9% ونشاط الخدمات العقارية والإيجارية وأنشطة المشاريع التجارية بنسبة 5.9% وتجارة الجملة والتجزئة بنسبة 2.1% ونشاط الفنادق والمطاعم بنسبة 4.4% ونشاط الإدارة العامة والدفاع بنسبة 1.1%.
وفيما يخص الإجراءات الأخرى ورغم أن بعض المحللين رجحوا أن يكون اتجاه السلطنة إلى بيع بعض الأصول بالخارج كأحد الخيارات للتغلب على عجز الموازنة إلا أن صندوق الاحتياطي العام للدولة شرع في العديد من المشاريع بالخارج والتي لها عوائد استثمارية على اقتصاد السلطنة.
ومن هذه المشاريع ضخ الصندوق وعدد من المستثمرين مبلغ ٥٣ مليون دولار أميركي في شركة جلاس بوينت المتخصصة في تطوير مولدات البخار باستخدام الطاقة الشمسية، والتي تستخدم في تعزيز إنتاج آبار النفط لتسريع عملية بناء وحدات توليد البخار والتي تقوم "بتقليل استهلاك الغاز في عملية إنتاج النفط ما يعني تحويل هذه الكميات المدخرة من الغاز لخدمة صناعات جديدة في مشروع ذي أهمية كبرى نظرا لتركيز السلطنة جهودها على تقنيات استخراج النفط المعزز، وحقن الآبار التي بدأ مخزونها بالنضوب بالبخار لتعزيز الإنتاج من هذه الآبار.
كما استحوذ الصندوق على حصص الأغلبية في فندق “ماريوت أمباسادور باريس” بفرنسا بشرائه 90% من أسهم الفندق لتحتفظ مجموعة ويسمونت للضيافة بنسبة الـ 10% المتبقية في مشروع يتوقع أن يحقق الصندوق منه عائداً اقتصاديًّا جيداً من خلال هذا الاستثمار نظراً لموقعه المتميز وتربعه في قلب التمازج الفرنسي بين الأعمال والسياحة والتسوق.
كما يشارك الصندوق وكالة الاستثمار في بروناي لتأسيس شركة لإيجار الطائرات برأس مال 200 مليون ريال عماني حيث يستثمر المشروع في شراء وتأجير الطائرات التجارية وإدارتها لصالح شركات طيران في الشرق الأوسط وحول العالم.
كذلك اتفق صندوق الاحتياطي العام للدولة مع شركة كومبانيا اسبانولا دي فاينانسيون ديل ديسارولو الأسبانية على إنشاء صندوق بحجم مبدئي قدره 200 مليون يورو (220 مليون دولار) لتمويل شركات أسبانية مع التركيز على الشركات المهتمة بممارسة أنشطة في السلطنة وفي دول الخليج الأخرى وشرق أفريقيا وجنوب وجنوب شرق آسيا. وسيتطلع بشكل رئيسي لتمويل مشروعات في قطاعات مواد البناء والأغذية والبنية التحتية والطاقة والسياحة.
كما شارك الصندوق إلى جانب الحكومة التنزانية ومجموعة تشاينا ميرشنت العالمية الصينية في استثمار بناء وتطوير ميناء باجامويو الذي يتألف من الميناء البحري والمنطقة الاقتصادية الحرة في مشروع من المؤمل أن يحقق العديد من الفوائد الاقتصادية للسلطنة من حيث العوائد الاستثمارية والفرص الكبيرة التي يتيحها المشروع للشركات العمانية ورجال الأعمال من خلال التوسع إلى أسواق جديدة في إفريقيا والوصول إلى الأسواق العالمية وسهولة استيراد المواد الخام الداخلة في تصنيع المنتجات.
لقد مثل انخفاض أسعار النفط تحديات كبيرة للاقتصاد العالمي، وخاصة الاقتصادات التي تعتمد بشكل أساسي على عوائد النفط ومنها السلطنة .. إلا أن المقومات والأسس الراسخة التي يتمتع بها الاقتصاد الوطني والإجراءات الاحترازية التي تتخذها السلطنة شكلت دعامة أساسية للاقتصاد الوطني تمكنه من مواجهة وتجاوز المتغيرات المالية العالمية بكل اقتدار.
كما أن تلك الإجراءات الاحترازية ومع اقتراب السنة المالية من نهايتها لم تؤثر على الجوانب المرتبطة بحياة المواطنين ومعيشتهم وتوفير الخدمات الأساسية لهم، وكذلك التوظيف في القطاعين العام والخاص إلى جانب مستحقات الموظفين والعاملين بالدولة، باعتبارها من الثوابت الأساسية للحكومة. كما لم تؤثر على المشاريع التنموية بالبلاد.