ناقش وزراء العمل الخليجيون في اجتماعاتهم مؤخرا عددا من البنود التي تهم الدول الأعضاء ومن بينها موضوع مواءمة مخرجات التعليم بمتطلبات سوق العمل بدول مجلس التعاون.
ولا شك أن هذا الموضوع ليس بالجديد، ولكن لا يزال يفرض نفسه، وسوف يواصل كذلك خلال السنوات القادمة نظرا للتحديات المستجدة على الضفتين: ضفة احتياجات أسواق العمل وضفة مخرجات التعليم.
إن تحقيق هذا الهدف وفقا لإحدى الدراسات، يتطلب أولا إصلاح التعليم بمراحله المختلفة (العام والعالي) بما يكفل تخريج كوادر تمتلك المهارات اللازمة لشغل الوظائف المختلفة، وتنطبق عليها معايير الكفاءة الوظيفية قادرة على الصمود أمام المنافسة الإقليمية والعالمية، أي كوادر عالية التأهيل وذات قابلية للمزيد منه ـ بحسب المستجدات -، بما لديها من خلفيات ثقافية وتصوُّر سليم لما سيوكل إليها من مهام وبما تمتلكه من قدرة على التفكير الإبداعي المبني على أساس تعليمي متين، وانفتاح ثقافي (إلمام بما يجري حولها)، إلى جانب امتلاكها مهارات تعد أساسية لكل طالب عمل، كإجادة أكثر من لغة ـ وفي مقدمتها إجادة اللغة الأم قراءة وكتابة -، والقدرة على التعامل بسهولة مع التقنيات الحديثة. وتحقيق ذلك يتطلب من بين ما يتطلبه:
وثانيا، يتطلب تحقيق ذلك الهدف الاهتمام ببرامج إعادة التأهيل والتدريب - مع ربطها بمؤسسات حكومية أو أهلية حتى تُضمن لها صفة الاستمرارية والتنظيم ـ وتوسيع مجالات التعليم الفني والتدريب المهني وزيادة قدرتهما الاستيعابية وزيادة مناطق تواجدهما، ودعم إنشاء المزيد من المعاهد والمراكز التدريبية لمختلف التخصُّصات والمستويات التعليمية لا ستقطاب التسربات الطلابية من المدارس والكليات. وكل ذلك ينبغي أن يتم وفق تخطيط مدروس يبنى على دراسات وأبحاث ومشاركة فاعلة لجهات العمل من خلال آليات مرنة تتولى فيها تلك الجهات دورا رئيسيا لتوجيه ذلك النوع من التعليم والتدريب نحو متطلبات السوق والتطورات المتجددة المتوقع حدوثها فيه.
إنَّ التدريب في جميع دول العالم أصبح "صناعة كبيرة في نظرياته وأهدافه وأهميته وتنظيمه ومحتواه وطريقته وتجهيزاته وتكلفته وعوائده، ولم يعد ممكنا أو مقبولاً أن نتركه للارتجالية والعفوية في تنفيذه وتوجيهه، إذا أردنا أن يصبح قوة فاعلة ومساهمة في التطورات الاقتصادية والاجتماعية والصناعية.
وثالثا، زيادة الطاقة الاستيعابية للجامعات ومؤسسات التعليم الفني والتدريب المهني في التخصصات التي يتطلبها سوق العمل، وإشراك القطاع الخاص في اقتراح مسارات دراسية جديدة تلائم الاحتياجات الفعلية لسوق العمل، وفي المراجعة المستمرة للمناهج والبرامج، وتوجيه الطلاب إلى التخصصات ذات النسب العاليَّة من جهة فرص العمل مع ربط التخصصات في كليات خدمة المجتمع والمعاهد العليا وأقسام الجامعات العلميَّة وكلياتها باحتياجات سوق العمل.
وللتوصل إلى التوجيه السليم للطلاب لاختيار التخصصات وإلى تحقيق الارتباط بين التخصصات العلميَّة والاحتياجات الفعلية لسوق العمل لا بد من اتخاذ إجراءات عدة يأتي في مقدمتها إيجاد مراكز للتوجيه المهني في المدارس الثانوية والجامعات تكون من مهامها توعية الطلبة بالتخصصات العلمية التي يمكن أن توفر لهم عملا مضمونا حال تخرجهم.

د. حسن العالي