بعد استعدادات دامت قرابة عام ونيف، وبعد ترقب ساد بين أوساط المجتمع، أسدل الستار على انتخابات مجلس الشورى للفترة الثامنة والتي ودعت الناخبين والمهتمين بهذا الحدث الانتخابي الجسيم بكل ما حملت من آمال عراض، وآلام ستبقى نتائجها على بعض المترشحين ولو إلى حين، عندما أعلنت نتائج الفرز وظهرت أسماء المرشحين باللقب التكليفي كما يحمل صفة التشريف في آن. يحق للمطلعين على الشأن الانتخابي والمحللين والمعنيين بأمر الشورى في البلاد أن يستخلصوا من خلال هذا الحدث العبر والحكم، التي بثوابتها ومعاييرها نستشرف المستقبل، وننير بها المسيرة، ونعمل من خلالها على تقديم أنجع المقترحات التطويرية والحلول المؤدية إلى وعي انتخابي فعلي، لا يحمل المجاملات ولا يعترف بالأسماء اللامعة والبراقة بل يعترف بمن هو الأجدر والأكفأ لخدمة الوطن والمواطن.
كما يحق لنا طرح عدد من التساؤلات في ضوء ما أسفرت عنه من نتائج لربما رقص على أنغامها الفائز وحزن الخاسر. لئن كان ذلك جزءا من اللعبة الديمقراطيّة فما نخاف عليه هو ما بعد الانتخاب إذا علمنا أن من الخاسرين كثيرا من ذوي الخبرة العالية والأخلاق الحميدة، غير أن الرياح لم تجر بما يشتهون إذ لم يكن لديهم حول ولا قوة فلجأوا إلى الإعلام الجديد يغردون بأن الأحقية كانت لصالحهم، وأنهم الأكفأ، غير أنه ثمة عوامل ومتغيرات تدخلت لحرمانهم من لحظة سعادة لا تنسى فتبقى خالدة عبر التاريخ. بيد أن لسان الحال والواقع أوضح لنا ذلك التنافس الرقمي عبر الشاشات، في حين ظن بعض المفكرين في بعض المواقع بأن السائد في الانتخابات هو التوجه والتأثير القبلي في المساندات المتعلقة بالقبيلة، فكان له كبير الأثر ويعد عاملا من العوامل المؤثرة في إقصاء كثير من الناخبين من حملة الشهادات العليا والمفكرين والذين عول عليهم ناخبون كثر. بأن لهم الأولوية في الفوز بهذه الترشيحات فقلبت الموازين رأسا على عقب وساد صمت مطبق قبل الفرز النهائي في بعض الولايات، بينما في الجزء الآخر من بعض الولايات حقق حملة الشهادات والمفكرين نجاحا باهر،ا فحملوا راية ولايتهم ليقدموا مخططا فكريا يضيئون به طرائق المفكرين، ويستبصرون بآرائهم، ومرئياتهم، فتتوازى الكفتان في أقطاب ثلاثة؛ مرشح ملهم يحمل شعلة من الفكر العلمي ينير به الطريق ويضيء به الواقع، وناخب لديه استعداد نفسي للتعلم والاطلاع والانتماء الوطني، وناخب ينتمي إلى المجالس الفكرية والثقافية من بين المثقفين والأدباء والأطباء والمعلمين وغيرهم من مختلف شرائح المجتمع الفكرية وهم بحاجة ماسة وفعلية إلى من يستأنسون بآرائهم، ويستلهمون من فكره الذي به يصلون إلى مراحل التطوير والتحسين والنمو والإنتاج، والمضي قدما نحو بر مليء بالإنجازات والعطاء لترسيخ ركائز النماء وتثبيت دعائم الألفة والوئام.
إنّ الخسران المبين ظهر جليا في هذه الكفة. والسبب يعود إلى وعي الناخب الذي حين يقدم بدون وعي على الترشيح العشوائي، يتأثّر بمؤثرات ومتغيرات دخيلة على الموقع الانتخابي تعمل على تغيير فكره وتوهمه بأنّ صاحب الدعاية يملك عصا سحرية لتغيير الواقع المعاش نحو الأفضل. إنّ بعض المترشحين لم يستندوا إلى برنامج واضح ومنسّق قابل للتطبيق، وإنما التجأوا إلى أساليب التّأثير المباشر لكسب الأصوات وحصاد النقاط على حساب ذوي الكفاءات والتميز فبقيت كفة الميزان منحسرة في جزء مهم للغاية يتمثل فيمن يصبح عنصرا مؤثرا للحركة العلمية وللساحة الثقافية في ظل الترهل الفكري السائد في صفوف كثير من الشباب بعد طلاق الفكر والقراءة والأدب والاكتفاء بالرخاء والدعة والراحة، فبات الخواء الفكري واضحا في المشهد الشبابي المعاصر.
يظهر من خلال هذا الحدث الوطني والعرس العماني أن ثمّة ممثلة واحدة للمرأة العمانية في مجلس الشورى بعد إقصاء تسع عشرة مترشحة من الساحة الانتخابية. والجميع يعرف أنّ العنصر النسائي كان يعمل بصمت لكسب الرهان إلا أن التحيزات الذكورية والفكر المتأصل في خلد كثير من المجتمع ذهب إلى ترشيح الرجال بحجة أنهم الأصلح والأقدر والأجدر على تحمل مشاق هذه المهمة التكليفية، بينما ندرك اليوم في هذا البلد أنّ للمرأة دورا فاعلا ومؤثرا في المسيرة التطويرية وفي الحركة العلمية، إذ ظهرت نساء مبدعات قدمن منجزات خالدة عبر التاريخ العماني ومشرفة للأجيال القادمة سواء على المستوى العلمي أو الأدبي. فما دواعي هذا الإقصاء الأنثوي من هذا الحدث المهم؟!!
على كلّ، بقي أن نعمل معا لإعادة صياغة الوعي الانتخابي سواء للناخب أو المترشح في هذا المشهد الانتخابي والتخطيط لنشر الوعي بمختلف الاستراتيجيات العلمية. ليست العبرة بالفوز أو الخسارة في الاقتراع، وإنما العبرة بالعمل الدؤوب لرفع رؤوس العمانيين بين الشعوب. من يعش سيرَ!

خلفان المبسلي
[email protected]