[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
ينبغي أن يستوقف كل راصد لحركة تطور المجتمع العماني النتائج النهائية لانتخابات مجلس الشورى المعلنة رسميا أمس الأول، فماذا سيلاحظ فيها؟ أول ما سوف يثيره فيها نسبة المشاركة التي لا تعبر عن التطلعات أبدا، فقد حددتها وزارة الداخلية في (56،66%) ممن يحق لهم الانتخاب البالغ عددهم (525،785) ألف ناخب وناخبة، إلى ماذا يمكن أن يعزى هذا الضعف في ممارسة الحق السياسي؟ كما سيستوقفه صفة عنصر الشباب الغالبة على المرشحين للانتخابات وعلى الفائزين فيها في آن واحد، فماذا يعني ذلك؟ كما سوف يبهره كذلك، التقارب العددي بين عنصري المجتمع ـ الرجل والمرأة ـ في قائمة الناخبين الذين فعلا مارسوا حقهم في الانتخاب والذي بلغ (237،981) ناخبة و(278،804) من الذكور، فماذا يعني ذلك؟
كنا نراقب حركة المشاركة في الانتخابات من منظورنا الإقليمي بشيء من الإعجاب والإثارة معا، فقد لاحظنا منذ الساعة السابعة صباحا إقبالا متصاعدا من الجنسين معا، والنساء بصورة لافتة، وهذا يعكس لنا حدة التنافس الانتخابي وسخونته في محافظة ظفار، وبعيد إعلان النتائج تمكنا من تحديد نسبة تقريبية لنسبة المشاركة في ظفار وهي بين (80- 85%)، وتوقعنا أن تكون عامة، غير أننا تفاجأنا بإعلان النسبة العامة للمشاركة، مما ظهر لنا الأمر، وكأننا أمام صور عديدة للمشاركة تباينت فيها نسب الإقبال بصورة ملحوظة، ويكمن سبب هذا التباين الصارخ تبعا لخلفيات وأبعاد التنافس الإقليمي، ففي ظفار مثلا، نعزي الإقبال الكبير إلى سخونة التنافس بين التجمعات والتكتلات الاجتماعية من منظورين شكلا دافعا قويا لتصويت الناخبين؛ الأول: الفوز من أجل إثبات الوجود في مشهدنا الانتخابي الإقليمي للبعض، والآخرين، تعزيز هذا الوجود، وهذه الدافعية كانت هي الصفة الراجحة. والثاني: الحرص الشديد على ضخ أعضاء ذوي كفاءات علمية وعملية وبمقومات ذاتية في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها بلادنا بسبب انهيار أسعار النفط، بينما نعزو نسبة الإقبال الضعيفة في بعض الولايات إلى الموقف السلبي للناخبين من إنجازات أعضاء مجلس الشورى السابقين، مما أثاروا خيار عدم المشاركة لتسجيل موقف سياسي، فهل السلطة السياسية سوف تنفتح على هذه الرسالة السياسية؟ وهذا الانفتاح قد أصبح من الحتميات التي تعجل بها نسبة المشاركة الضعيفة، وهذا الضعف الذي شهدته الفترة الثامنة يشكل منحى سلبيا لتراجع نسبة المشاركة مقارنة بنسب المشاركة في آخر فترتين لمجلس الشورى، ففي الفترة السادسة، بلغت نسبة المشاركة (62،7%) ارتفعت في الفترة السابعة إلى (76%) بينما شهدت هذه النسبة تدهورا ملموسا في الفترة الثامنة، فلاحظوا، ومن ثم تأملوا معنا في حجم هذا التدهور الملموس، واستنتجوا الخلفيات، وبعد ذلك استشرفوا ملامح المستقبل. إذن، لا بد من بحث الأسباب والإسراع في الحل، ومن البديهيات التي تستدعي نفسها منذ الوهلة الأولى والتي تكشف جزءا أصيلا من تلك الأسباب تكمن في علاقة الحكومة بمجلس الشورى، وهي علاقة ربما رأوا فيها أنها لا ترتقي إلى مستوى الشراكة المسئولة والملتزمة من حيث الاعتداد بمرئيات وحلول مجلس الشورى كطرف في معادلة الشراكة المتضامنة مع الحكومة، مما يصبح مصيرها دائما ـ أي تلك المرئيات والحلول ـ في أرشيف الحكومة دون أن يلزمها القانون أن تأخذ بها أو حتى الرد عليها، وهنا تهوي جهود الأعضاء في قاع هذا الفراغ القانوني، مما يعني ضياعا للوقت وتبديد المال، والاستمرار في هذا الوضع لن يخدم المصلحة الوطنية وبالذات الآن، فهل نترقب التطور السياسي المنشود الذي تستدعيه الفترة الثامنة أكثر من أي وقت مضى؟ من هنا يمكن القول صراحة ـ كما أوضحنا ذلك في حوارنا مع إذاعة وصال أمس الأول ـ إن التدبير والتسيير الأحادي الجانب في إدارة مرحلة انهيار الأسعار النفطية لم يعد صالحا لمرحلتنا الوطنية الراهنة، فإدارة المرحلة لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار مرئيات الشريك الاستراتيجي لها، وهو مجلس الشورى للزوم القبول الاجتماعي للسياسات المالية والاقتصادية المقبلة، فليس من الحكمة أن يُلجأ مثلا إلى فرض ضرائب جديدة أو رفع نسبة القائم منها أو رفع أي دعم .. له مساس بالبعد الاجتماعي أن موافقة الشريك الاستراتيجي، فهذا معناه دخولنا في أتون ردود فعل لن تستوعبها المرحلة .. على عكس مشاركة الشريك، فلا بد إذن من أن يتحمل مسئوليته مع الحكومة في صناعة قرارات هذه الاستثنائية الزمنية خاصة وأن الانتخابات الأخيرة قد أفرزت نخبا شابة متعلمة وأخرى مخضرمة تمتلك قدرات علمية وعملية ومقومات ذاتية، وهي بذلك تشكل تمثيلية مجتمعية مقبولة يغلب عليها عنصر الشباب أصحاب المؤهلات العلمية لأول مرة في تاريخ الفترات الانتخابية، فالأغلبية تتراوح أعمارهم ما بين (30- 45) عاما بنسبة تشكل (65%)، ومن الإحصائيات، نلاحظ كذلك أن هناك (12) مرشحا حاصلين على شهادة الدكتوراه و(70) مرشحا حاصلين على مؤهل الماجستير وأكثر من (200) مرشح حاصلين على شهادة البكالوريوس والآخرون على شهادة دبلوم التعليم العالي ما بعد التعليم العام. إذن، لم تعد هناك حجة لاستمرار المواقف من مجلس الشورى، فقد كانت الحجة ضعف المستوى العلمي للأعضاء، والآن المجتمع قد استجاب للتحدي وقدم كفاءات علمية، والكرة في ملعب الحكومة الآن.
ومن اللافت في نتائج الانتخابات كذلك التقارب العددي للمصوتين من كلا الجنسين ـ كما أوضحنا ذلك في المقدمة ـ مما كان يفترض أن يكون في مجلس الشورى أكثر من امرأة، فكيف لم تفُزْ سوى واحدة فقط من بين (20) مرشحة؟ وكيف تكون ولاية السيب هي الرحم الانتخابي الدائم للنخب البرلمانية النسائية؟ تساؤلات علينا البحث فيها مستقبلا بشيء من العمق، والشيء الذي ينبغي التأكيد عليه أخيرا، أن حجية المؤهل العلمي قد أسقطت في الفترة الثامنة، فهل سيصبح مجلس الشورى شريكا حقيقيا مع الحكومة في إدارة مرحلتنا الوطنية المعقدة؟