بالنظر إلى تلك التطورات المتلاحقة على صعيد الوضع السوري من التدخل الروسي المباشر لدعم الحكومة السورية، واللقاءات والاتصالات التي تتم بين حكومة السلطنة والأطراف المتصارعة في سوريا، يتضح أنه ربما كان هناك ما تحمله الدبلوماسية العمانية في جعبتها من أفكار ومقترحات ومبادرات يمكن أن تجد قبولا لدى الفرقاء السوريين بما يمثل خطوة مهمة في إذابة جليد تلك الأزمة الممتدة.

من سمات الدبلوماسية العمانية الهدوء والاتزان، بمعنى أنها تتم بدون صخب إعلامي، كما تمثل انعكاسا للسياسة الخارجية المتزنة وغير المتشنجة والتي تعد امتدادا للشخصية العمانية التي تتسم بدرجة كبيرة من التسامح التي يقل نظيرها في كثير من بلدان المنطقة والعالم. وتقوم الدبلوماسية العمانية التي تمثل السياسة الخارجية للبلد على أساس عدم التدخل في الشئون الداخلية للبلدان الأخرى. كما تتسم بالتعقل، فحال وجود صراع بين دولتين أو صراع بين فرقاء داخل البلد الواحد، تكون عينها على مصلحة كل الأطراف والبلد ككل، وليس محاباة فصيل على حساب الآخر. وترتب على ذلك أن صار للسلطنة سمعة طيبة على مستوى الدبلوماسية الإقليمية والدولية، جعلها ـ بما تمثله من رصيد أخلاقي في تعاملها الخارجي ـ محل قبول لكل أطراف الصراعات. وقد ترتب على تلك الدبلوماسية الهادئة والمتزنة، أن باتت السلطنة ترفل في جو من الأمن والاستقرار الذي لا يقارن في كثير من بلدان المنطقة.
في الآونة الأخيرة كان للدبلوماسية العمانية ـ بعيدا عن الصخب الإعلامي ـ دور مهم في التوصل إلى الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى، حيث لعبت السلطنة بما لها من علاقات متميزة مع طرفي النزاع الرئيسيين في الملف النووي الإيراني ـ الولايات المتحدة وإيران ـ دورا كبيرا في دفع الطرفين الرئيسيين إلى التحاور المباشر، بعد سنوات من الاجتماعات بين إيران والقوى الكبرى بدون الولايات المتحدة، والتي لم يكن لها مردود حقيقي سوى إطالة أمد المفاوضات. لكن عندما تدخلت السلطنة قاربت بين وجهات النظر الأميركية والإيرانية وأقنعت الطرفين بالحوار المباشر. وتوجت جهود السلطنة في ذلك باستضافة مسقط لجولة محادثات جون كيري وزير الخارجية الأميركي ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وهو اللقاء الذي مثل ركيزة أساسية في التفاهم على كثير من القضايا الخلافية التي تم الاتفاق عليها في الجولات التي أعقبت ذلك، والتي نتج عنها في النهاية هذا الاتفاق الذي خفف من حدة الاحتقان في المنطقة.
كما لا تألو السلطنة جهدا في العمل على وقف القتال في الجارة الشيقة اليمن، وتسعى جاهدة إلى دفع أطراف النزاع إلى دائرة الحوار للخروج من هذه الأزمة وحقن الدماء وإحلال الاستقرار والسلام باليمن.
وبناء على رصيد السلطنة وخبرتها في ممارسة الدبلوماسية الهادئة الهادفة وقبولها لدى أغلب أطراف النزاع في سوريا، تسعى السلطنة جاهدة إلى تحقيق انفراجة في الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات والتي راح ضحيتها الآلاف وتم تشريد وهجرة الملايين من أبناء الشعب السوري الذي يحظى بمكانة لدى كل مواطن عربي.
ومن ثم كان استقبال معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسئول عن الشئون الخارجية لخالد خوجة رئيس الائتلاف الوطني السوري والوفد المرافق له في العاصمة مسقط في الـ19 من أكتوبر الجاري، وذلك للاستماع إلى وجهة نظر الوفد بشأن الأزمة السورية وتصورات الخروج من هذا النفق المظلم، بما مثل بداية قوية في التعاطي مع الأزمة السورية والسعي إلى وجود حلول تمكن من الخروج من الطريق المسدود الذي وصلت إليه.
ثم جاءت الزيارة المفاجئة للرئيس السوري بشار الأسد ولقاؤه نظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو في الـ20 من أكتوبر الجاري، وما ترتب عليه من إجراء بوتين اتصالات بعدد من قادة المنطقة المعنيين بالشأن السوري. ثم ما تم الإعلان بعد ذلك بأن الأسد يقبل بإجراء انتخابات رئاسية ونيابية يشارك في سباقها. وقد جاء ذلك في ظل تخفيف عدد من البلدان ولا سيما الغربية من تعنتها تجاه حل الأزمة السورية والتي كانت تشترط رحيل بشار الأسد عن السلطة بشكل عاجل، وإعلانها أنها لا تمانع في بقاء الأسد في السلطة لفترة مؤقتة. وقد مثل ذلك تليين للمواقف تجاه حلحلة الأزمة.
كما تلقى جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ رسالة شفهية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يطلعه فيها الأخير على تطورات الأوضاع في المنطقة، ليتوج ذلك بتوجه معالي يوسف بن علوي للعاصمة السورية دمشق ويتم استقباله بحفاوة كبيرة من قبل الرئيس السوري يوم الاثنين الماضي، ليظهر مدى اهتمام السلطنة بالشأن السوري والعمل على الخروج من المأزق الراهن.
وبالنظر إلى تلك التطورات المتلاحقة على صعيد الوضع السوري من التدخل الروسي المباشر لدعم الحكومة السورية، واللقاءات والاتصالات التي تتم بين حكومة السلطنة والأطراف المتصارعة في سوريا، يتضح أنه ربما كان هناك ما تحمله الدبلوماسية العمانية في جعبتها من أفكار ومقترحات ومبادرات يمكن أن تجد قبولا لدى الفرقاء السوريين بما يمثل خطوة مهمة في إذابة جليد تلك الأزمة الممتدة. وبالطبع فعندما تتزامن زيارة معالي يوسف بن علوي لسوريا مع زيارة عادل الجبير وزير خارجية المملكة العربية السعودية لمصر ولقائه نظيره سامح شكري لبحث الأزمة السورية، في ظل موقف القيادة المصرية المؤيد إلى حد كبير للرئيس بشار الأسد، يتضح أنه ربما كان هناك نوع من التنسيق بين تلك الزيارات والجهود التي تبذل لإيجاد حل للأزمة السورية.
إن أكثر من أربع سنوات من القتل والتدمير لم تحل الأزمة السورية بل زادتها تعقيدا. ويتطلب الحل التوصل إلى اتفاق بين الحكومة السورية والمعارضة، يتم بموجبه وقف إطلاق النار من كل الأطراف والجلوس على طاولة المفاوضات بوساطة محايدة ونزيهة، ويمكن أن تقوم السلطنة بتلك الوساطة وتسعى إلى استضافة الأطراف في مسقط لتوفير جو هادئ بعيدا عن الضجيج الإعلامي. وتعمل على دفع الأطراف إلى التوافق وأن يتنازل كل طرف من أجل وقف إراقة الدماء وتدمير سوريا. وهنا يجب تخلي كل أطراف النزاع داخل سوريا وتلك التي خارجها وتقوم بدعم فريق على حساب آخر وتأجيج الصراع ووصول الأمر إلى شن حروب بالوكالة على الأراضي السورية عن تعنتها، والتخلي عن المواقف المتصلبة التي لا تتماشى مع الواقع على الارض، والتخلي عن فكرة المباراة الصفرية أما أن أكسب الكل أو أخسر الكل، لأن الكل هنا خاسر. فعلى الأطراف المعنية استغلال تلك الفرصة والتوافق وتوحيد جهودها والتوصل إلى اتفاق سلام، يمكن تلك الأطراف من أن تواجه ـ مع الأطراف الإقليمية والدولية ـ العدو الأكبر المشترك لسوريا وكثير من الأنظمة العربية بل والعالم والذي يتمثل في الجماعات المسلحة المتشددة مثل "داعش والنصرة" وغيرها التي تحاربها أطراف عديدة إقليمية ودولية منذ وقت طويل بلا فائدة وذلك لتبعثر الجهود.
إن استمرار الأزمة السورية في النهاية يضر بمصلحة الشعب السوري، ويقضي على آماله وطموحاته وربما يعيد هذا البلد العريق إلى عصر ما قبل الدولة الحديثة. كما يضر بالمصلحة العربية العليا ويصب في مصلحة المشروع الصهيوني الذي يعد المستفيد الأول من نزاعات وحروب وعدم استقرار المنطقة ليستفرس بفلسطين ومقدساتها.

السيد عبدالعليم