لا يزال كيان الاحتلال الإسرائيلي يبرهن الحقيقة الثابتة وهي أنه لن يستطيع البقاء دون حروب مدمرة، ومستنقعات الحماقات والحسابات العسكرية الخاطئة والفادحة، فبعد أكثر من حرب عدوانية إرهابية على قطاع غزة بهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية، بزعم إسكات الصواريخ المنطلقة من القطاع، يواصل اعتداءاته الإرهابية على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، محاولًا المزاوجة بين الإعدامات الميدانية في الضفة مع قصف جوي على القطاع.
والمؤسف أن هذا الكيان الاحتلالي الغاصب رغم هذه الوحشية الإرهابية والإجرامية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل الذي ينتفض لدفع هذه الوحشية الإرهابية عنه، يجد على الدوام من يدافع عن جرائمه الوحشية وإرهابه، حيث لا تزال القوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة تلعب الدور ذاته، وهو دور الإطفائي حين ترى أن حليفها الإرهابي بدأ يغرق في مستنقع حماقاته وحساباته العسكرية الخاطئة، وضرورة المسارعة إلى إلقاء سترة النجاة والتخفيف عن كاهله.
والزيارة العاجلة الأخيرة لجون كيري وزير الخارجية الأميركي إلى المنطقة والتي التقى خلالها مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني كان من الواضح أنها لم تكن سوى زيارة إطفائية للحرائق التي أشعلها حليف بلاده الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي في القدس والضفة الغربية المحتلتين وداخل الأراضي المحتلة عام 1967، إذ بعد مرور أقل من 72 ساعة على ما سمي باتفاق الأقصى بين كيري والعاهل الأردني في عمَّان، وإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبوله للاتفاق الذي يتضمن نشر كاميرات مراقبة في الأقصى، قامت شرطة الاحتلال بإزالة الكاميرات التي ثبتتها الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة على بوابة المغاربة للأقصى، وهي البوابة التي يتسلل منها المستوطنون المتطرفون الإرهابيون تحت حماية رجال الشرطة والحي الاحتلاليين إلى باحة الحرم القدسي، وفي مقابل ذلك ـ وكما يؤكد الفلسطينيون ـ تريد حكومة الاحتلال الإسرائيلي وضع كاميرات مراقبة داخل الحرم لمراقبة ما تريد مراقبته، وترفض كاميرات تكشف حقيقة تجاهل لمراقبة ما يجري في داخله، وهو ما يخدم مصلحتها فقط، ولا تريد كاميرات تكشف حقيقة تصرفات واعتداءات المتسللين من اليهود المتطرفين ورجال الأمن بحق الفلسطينيين. وقد عقب على هذا التطور رياض المالكي وزير الخارجية الفلسطيني واصفًا إياه بأنه "فخ إضافي" يقع فيه الفلسطينيون، مشددًا على أن الكاميرات ستستخدم لاعتقال الفلسطينيين بحجج التحريض.
إذًا، لم تكن زيارة كيري العاجلة إلا في إطار العلاقات العامة في الأهمية بالنسبة للجانب الفلسطيني. أما على الجانب الإسرائيلي فهي تتعدى الدور الإطفائي إلى محاولة قلب الطاولة على الشعب الفلسطيني المنتفض دفاعًا عن حرمة المسجد الأقصى وضد جرائم الحرب الإسرائيلية الممارسة بحقه، وإخماد بواعث تفجر انتفاضة فلسطينية ثالثة. وبذلك تثبت الولايات المتحدة أنها لن تكون يومًا ما في صالح الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة بصفة خاصة، كما لن تكون لحظة ما في صف شعوب المنطقة بصفة عامة، وكل ما تدعيه عن دفاعها عن حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية ومساعدة شعوب المنطقة هو مجرد ذرائع ومبررات للتدخل لصالح كيان الاحتلال الإسرائيلي الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، وهذه في حد ذاتها رسالة واضحة لكل واهم حول سياسة الولايات المتحدة في المنطقة وتدخلها في الشؤون الداخلية لدولها، ودعمها الجماعات الإرهابية المسلحة.