[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
قوبل قرار مجموعة العمل المالي الدولية بالعاصمة الفرنسية باريس الجمعة بشطب اسم السودان من قائمة الدول المقصرة في مكافحة غسل الأموال وفي مكافحة تمويل الإرهاب، بارتياح بالغ داخل وخارج السودان، أكده رسميا الناطق باسم بنك السودان المركزي لوكالات الأنباء العالمية، واصفًا القرار بأنه سيتيح للبنك السودان وكافة البنوك المحلية سهولة إجراء التحويلات المالية من وإلى السودان وبدون قيود.
جاء القرار في وقت عانى فيه الاقتصاد السوداني كثيرا من تداعيات الحصار الاقتصادي الذي تفرضه أميركا على السودان منذ 1997 والتي تتهمه بتمويل الإرهاب، في حين نفذت الحصار مجموعة من المؤسسات المالية ذات العلاقة بالمنظومة الاقتصادية الأميركية والتي بينها مجموعة العمل المالي الدولية التي أنشأتها في الأصل مجموعة السبع الصناعية الكبرى.
ولم يقتصر تأثير الحصار الاقتصادي الأميركي على حركة التجارة الخارجية للسودان ومستويات تدفق النقد الأجنبي على الاقتصاد السوداني فحسب، بل انعكس أيضا على حياة قطاع عريض من الشعب السوداني ذوي العلاقة بالقطاع الصناعي والطيران، فضلا عن تأثيره على القطاع الزراعي الذي تحتاج مخرجاته إلى تسويق خارجي وبالضرورة أن تحوبل عائدات بيع محصولاته عبر تعاملات بنكية بين البنوك المحلية والأجنبية حيث تنصاع الأخيرة لقرارات وإجراءات الحصار.
وبما أن القطاع الزراعي يشغله أكثر من 61% من السكان بالسودان، فقد ساهم ذلك الأمر في إبراز الأثر السلبي للحصار الاقتصادي الأميركي المفروض على السودان، رغم أنه لم يحدد القطاع بعينه ولم يستهدفه بشكل مباشر، غير أنه أصبح متأثراً بالنتيجة، حيث أثرت القيود المفروضة على التحويلات المالية من خارج السودان بشكل مباشر على إقبال المستوردين للمحاصيل السودانية النقدية كالسمسم والفول والذرة على شرائها لصعوبة التعامل المالي، ما عدا الصمغ الذي استثنته أميركا من تجارتها مع السودان.
لقد انعكست نتيجة ذلك على أسعار الكثير من السلع الزراعية خصوصا سلعة السمسم أحد أهم الحبوب الزيتية ذات الإنتاج العالي لقطاع كبير من المزارعين، فأثرت على مستوى العرض والطلب بالداخل، ما أثر على أسعاره وتسبب في خسائر للمزارعين الذين يزرعونه بمساحات كبيرة... وذلك مجرد مثال، فالأمر نفسه ينطبق على محاصيل وتقنيات أخرى أهمها قطع غيار الطائرات التي أدى الحصار فيها إلى تراجع أداء أهم وأقدم شركة خطوط طيران بالقارة الإفريقية، وهي الخطوط الجوية السودانية التي فقدت قدرتها على المنافسة الخارجية بسبب عدم قدرتها على صيانة طائراتها الأميركية الصنع .... والقائمة تطول.
ورغم بلوغ حجم الاستثمارات الأجنبية بالسودان 38 مليار دولار أميركي، وما كشف عنه التقرير الاستثماري السوداتي للفترة من 2002 إلى 2014 من تزايد كبير في الاستثمارات الأجنبية في مقدمتها الاستثمارات الصينية والعربية، إلا أن قطاع الاستثمار بالسودان لم ينجُ هو الآخر من تأثير الحصار، خصوصا على الشركات الأوروبية والأميركية الراغبة بالاستثمار في السودان كونها كانت تخشى من الضغوط الأميركية ومن التأثير على موقفها في أسواق المال.
وبهذا يبقى السؤال المهم هو: ماذا بعد رفع اسم السودان من قائمة التقصير في مكافحة غسل الأموال وفي مكافحة تمويل الإرهاب؟ وهل ستؤدي هذه الخطوة إلى تسهيل الإجراءات التجارية بين السودان وأميركا والغرب؟ أم ستتعلل تلك الدول بحجج أخرى مثل دارفور وجنوب النيل الأزرق تلك الأزمات التي تؤرق كافة أفراد الشعب السوداني. آملين أيضا في أن تؤدي هذه الخطوة بالجهات المختصة بالسودان إلى بذل المزيد من المساعي والإجراءات الهادفة إلى إزالة العقبات التي تعيق علاقاتها التجارية مع الغرب ولكن بدون خنوع أو انبطاح.