يعد الاهتمام بالتعليم حجر الزاوية في كل خطة نهوض، فالمجتمعات الجاهلة ليس لها نصيب في الاستقرار أو النمو، وهذه الحقيقة كانت ماثلة في فكر حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ وهو يؤسس لحركة النهضة العمانية الحديثة، ومن ثم جعل التعليم في قمة أولوياته ليقينه أن الإنسان المتعلم أو المثقف يعرف هو بدوره أولوياته في الحياة، ويحسن اختيار الأفضل لنفسه ولأسرته ولوطنه. وها نحن قد وصلنا ـ ولله الحمد ـ إلى مستويات نعتز بها في مجال النهوض بالتعليم، فلم يصبح لدينا متعلمون وخريجون ومتخصصون في جميع التخصصات فحسب، بل أضحى لدينا باحثون ومبدعون ومبتكرون آلوا على أنفسهم خدمة وطنهم بتقديم ما يتوجب عليهم تقديمه، وتوظيف قدراتهم ومواهبهم في نفع البشرية والمجتمع والوطن.
وما من شك أن هؤلاء الباحثين والمبتكرين والمبدعين ـ مفخرة الوطن ـ أيقنوا أن التطور العلمي والتقني على مستوى العالم يجعل الارتكان إلى مستوى معين من التعليم أمرًا مستحيلًا؛ ولذلك كان لا بد من ملاحقة ركب الابتكار والاختراع الذي تقوده العديد من دول العالم، والاستفادة من الإمكانات المتاحة من قبل الحكومة والمحفزة على ذلك والموجدة للبيئة العلمية، وهو جهد يستمد تطوره واندفاعه أيضًا من خلال التنسيق مع خبرات الآخرين والمؤسسات العلمية المعنية بالبحث العلمي كمجلس البحث العلمي، في عمل تكاملي وتعاوني يصب في خدمة المجتمع وقطاع التعليم والبحث على وجه الخصوص.
ومن هنا، وعلى هذا الدرب شقت قافلة البحث العلمي والابتكار والاختراع التي يقودها مجلس البحث العلمي وغيره من المؤسسات المعنية طريقها من خلال الدعم السخي وجائزته الوطنية للبحث العلمي في مجالاتها الستة: مجال التعليم والموارد البشرية والاتصالات ونظم المعلومات، ومجال الطاقة والصناعة، ومجال الثقافة والعلوم الاجتماعية والأساسية، ومجال البيئة والموارد الحيوية والصحة وخدمة المجتمع، حيث عاشت عُمان أجواء علمية رائعة يوم أمس الأول وهي تشاهد عقول أبنائها المبدعين والمبتكرين والباحثين يعتلون منصة التكريم بالجائزة الوطنية للبحث العلمي التي فازت بها مشاريعهم وابتكاراتهم؛ إذ إن هذه المشاريع والابتكارات التي حظيت بشرف الفوز والتي بلغ عددها ثمانية سيكون لها مردودها وأثرها، كل في مجاله.
إن المشاريع الثمانية التي حظيت بشرف الفوز كانت ـ كما كان سابقها وسيكون لاحقها ـ محل دعم مقدر. فحسب الأمين العام المساعد لتنمية الابتكار بمجلس البحث العلمي، مرت هذه المشاريع والابتكارات الفردية الثمانية التي تم الإعلان عنها عبر أربع مراحل للتنفيذ والتطبيق بحيث تمنح المخصصات المالية على أربع مراحل للتنفيذ بنسبة 25%، فالمرحلة الأولى تشمل تطوير الشامل للمقترحات الفائزة، وفي المرحلة الثانية لإنتاج النموذج الأولي للمشروع المبتكر، وفي المرحلة الثالثة لإنتاج النموذج النهائي وعرض وإثبات تشغيل النموذج أو المنتج، وفي المرحلة الرابعة يتم تقييم مدى تتجير النموذج أو المنتج من خلال إنشاء مؤسسة تجارية، بعدها يتم منح الجوائز لأفضل اثنين من الفئات الثلاث الأولى والأول من المرحلة الرابعة.
إن هذه المشاريع والابتكارات بقدر ما تمثل إضافة في رصيد منجزات النهضة المباركة، بقدر ما تمثل طموحًا يجب تحقيقه بالاستمرار في الابتكار والاختراع وعمليات البحث، ومضاعفة عدد المشاريع والابتكارات، ومضاعفة الاهتمام بعملية التعليم من حيث المنهج والمعلم والطالب.