[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]

من الأسماء المهمة في تاريخ الدولة العثمانية السلطان عبد الحميد الثاني الذي تحدثناعنه، والذي وقف وقفة تاريخية ضد الأطماع اليهودية في فلسطين. واوردنا في هذا السرد الموجز بعض الأسماء والأحداث المهمة في تاريخ الدولة العثمانية، لنبين حجم البناء الذي قدمه قادة العثمانيين خلال اربعة قرون، والذي تركز على ترسيخ الاسلام ونشره وفتح الكثير من البلدان، وبعد كل ذلك يأتي كمال اتاتورك، ليذهب عكس الاتجاه الذي كانت تسير عليه هذه الدولة، ويتجه نحو زاوية مغايرة تماماً لما كانت تتبناه من مبادئ وقيم وتقاليد اسلامية، وكان اتاتورك يدرك جيداً انه يلاقي مهمة صعبة، الا ان التغييرات الجذرية في السياسة التعليمية والتربوية والانفتاح الكبير على الغرب وترسيخ الكثير من المفاهيم الأوربية ووجود الاعلام اليهودي المؤثر والفاعل الذي شجع هذا الاتجاه وتبناه، قد ساعد اتاتورك كثيراً على تحقيق اهدافه في فصل المجتمع التركي عن الأسس التي كان يرتكز عليها في قوالب حياتية واجتماعية جديدة.
ولم يكن المخطط الذي تبناه اتاتورك محدداً بالانقلاب اللغوي والديني، بل انه نفذ خطة متكاملة بحيث عمد إلى انهاء كل ما له علاقة بالقرون الاربعة التي سيطرت خلالها الخلافة، ولذلك فقد وصل تأثير الأجواء المحيطة به والتي شجعت خطواته إلى اقناعه بأنه لا بد من استمرار حملته في تغيير جميع المظاهر الحياتية، ومن هنا فقد وجد (انه يجب ان يكون للشعب التركي مظهر خارجي واحد، لذلك قرر الغاء الطربوش العثماني والقلبق الشركسي والعمة الكردية واستبدالها جميعاً بالقبعة الاوربية).
يقول مصطفى الزين في كتابه (اتاتورك وخلفاؤه)..كان اتاتورك قد بدأ (ثورته الجديدة) بطريقة مرحلية ففرض القبعة اولاً على نفسه ثم حرسه الخاص، ولما لم يجد اعتراضاً فرضها على الجيش، وارسل العديد من الضباط الذين امنوا بصحة افكاره الى مختلف القطاعات العسكرية لاقناع الجنود بأن ارتداء القبعة من شأنه ان يظهر الجيش التركي بمظهر الجيش الحديث، الذي لا يقل عن مستوى جيوش دول العالم المتقدمة بشيء حتى في اللباس، بالاضافة إلى ان القبعة من الناحية العملية افضل من الطربوش لأنها تقي الرؤوس من الحرارة في الصيف والبرودة في الشتاء وبعد ان أمن الجيش بنظريته وارتدى جميع افراده وضباطه القبعة انتقل إلى الشعب.
ولما حاول احد النواب من العسكريين الكبار وكان برتبة جنرال يدعى نور الدين باشا الاعتراض على قرار الغاء الطربوش طرده مصطفى كمال من الجمعية الوطنية وجرده من رتبته العسكرية.
كانت حسابات اتاتورك بعيدة المدى، وكان يُعد إلغاء جميع المظاهر واحداً من اهم الخطوات التي تفضي إلى عزل تركيا بصورة تامة ونهائية، ولهذا امر جميع رجال القوات المسلحة من بوليس ودرك وجيش بتطبيق هذا القرار فوراً في جميع انحاء البلاد، مع أوامر مشددة باستخدام أقصى انواع العقوبة بحق كل من يرفض خلع الطربوش حتى ولو دعت الحاجة إلى تعليق المشانق.
وللمرة الأولى يحدث في تركيا ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة التركية، كذلك تلاوة الصلاة باللغة التركية، وضمن هذا السياق ارغم اتاتورك كل تركي على اتخاذ اسم عائلة ينتسب إليها، تسجيل اسمه واسماء افراد عائلته في سجلات نفوس جديدة اعدت لهذا الغرض..
ذلك لان الاتراك – حتى اتخاذ هذا القرار- لم تكن لديهم اسماء عائلية، فكان كل شخص يكتب اسمه ثم اسم والده، وبدأ مصطفى كمال بنفسه اولاً فاتخذ له اسم عائلة اتاتورك أي (ابو الاتراك) .. وهكذا فعل جميع ابناء الشعب التركي.
وهكذا اتجهت تركيا في قوانينها ومؤسساتها وفي علاقاتها وسياساتها الخارجية نحو الغرب آملة بأن ذلك سيجعل منها دولة عصرية، لكن تركيا دخلت دوامة عدم الاستقرار السياسي والعنف والتدهور الاقتصادي وتوتر علاقاتها مع دول الجوار.
كما ان انفصال تركيا لم يحقق لها رفاهاً اقتصاديًّا واجتماعيًّا على المستوى الداخلي او موقعاً جيوستراتيجيًّا على المستوى الدولي.