من المهمات النمائية لمرحلة الرشد المبكر إنجاز الارتباط بشريك من خلال علاقة مقدسة هي علاقة الزواج، وعلى الرغم من أن معظم من يقدم على الارتباط من الشباب يدخل الحياة الزوجية ولديه حلم بحياة وردية سعيدة، إلا أن العديد من الدراسات في المجتمعات والثقافات المختلفة تشير إلى أن ما نسبته 50% من حالات الزواج تنتهي بالطلاق خلال الخمس سنوات الأولى من الزواج ـ حتى عندما تتم الزيجات باختيار الزوجين وليس بطرق الارتباط التقليدية - بل قد تتحول العلاقات بين الزوجين إلى علاقات عدائية بالرغم من وجود النية لدى كليهما لتأسيس حياة زوجية سعيدة ومستقرة.
وقد يتبادر سؤال على الأذهان: ما الذي يؤدي لانهيار حياة لدى مؤسسيها نوايا صادقة لإنجاحها؟ إن إجابة هذا السؤال يمكن اختصاره ـ قبل تفصيله تالياً - بأن الزوجين يدخلان للحياة الزوجية بنوايا حسنة ولكنهم يفتقرون للمعلومات والمهارات الضرورية لإدارة الحياة الزوجية، تلك المهارات التي تساعد في تأسيس حياة مستقرة ومشبعة لكلا الزوجين.
حيث يدخل كلا أو أحد الزوجين ولديه مجموعة من الأفكار غير الواقعية مثل أن الحياة السعيدة هي التي يتحقق فيها كل متطلباتي وحاجاتي، والزوج الجيد هو الذي يطابق توقعاتي وما امتلكه من صورة ذهنية عن الزوج الذي أريد، وقد يبدأ كلاهما أو أحدهما بمقارنة حالته الزوجية بحالات زوجية واقعية ولكنهم يرون منها الصورة السطحية ولا يعرفون تفاصيلها المخفية حيث أنهم ليسوا جزء منها، أو مقارنة حياتهم بعلاقات زوجية في وسائل الإعلام فيها الكثير من المبالغات ولا تمت للواقع بصلة. بالإضافة إلى أن أحداً أو كلا الزوجين قد يدخل الحياة الزوجية ولديه معلومات وأفكار موروثة من ثقافته المجتمعية أو الأسرية حول الحياة الزوجية والأدوار التي على كل زوج أن يقوم بها داخلها، مما يؤثر على طبيعة تفاعلاته مع الزوج الآخر الآمر الذي قد يولد الإحباطات أو يفجر الخلافات.
إن نجاح الحياة الزوجية يعتمد على ما يمتلكه الزوجان من مهارات إدارة الحياة الزوجية، حيث أن هذه المهارات تساعد في تحويل الخلافات والضغوطات التي تمر في الحياة الزوجية إلى فرص لمعرفة كل زوج للزوج الآخر وللتقارب بدلاً من ما قد تلعبه تلك الخلافات والضغوطات من نزاعات بين الزوجين ومن ثم تصدع وفشل الحياة الزوجية.
ويمكننا تصنيف مهارات الحياة الزوجية إلى خمس مجموعات أساسية هي:
1- مهارات إدارة الفروقات المرتبطة بجنس الزوج: حيث أن الحياة الزوجية تتكون من رجل وامرأة والكثير من الخلافات ينبثق عن عدم فهم كل زوج للكيفية التي يفكر بها الزوج الآخر والطريقة التي يتفاعل بها مع الأمور الحياتية كجنس يختلف عنه، ولإدارة هذه الخلافات لا بد أن يكون كلا الزوجين أو أحدهما يمتلك المعرفة والمهارات لإدارة هذه الخلافات.
2- مهارات إدارة الخلافات المبنية على اختلاف القيم: فكل زوج يأتي من خلفية أسرية وثقافية ولديه قيم مختلفة تؤثر في حكمه على الأمور وما يقبل وما يرفض، وكما يؤثر على قراراته وتفاعلاته، وعدم تفهم كلا أو أحد الزوجين لدور اختلاف القيم في ظهور الاختلافات في وجهات النظر ومن ثم عدم تقبله لذلك ومطالبته للزوج أن يكون صورة لما يتوقع ويرغب يفجر النزاعات، والنجاح في إدارة الخلافات المرتبطة بالقيم لابد أن يمتلك كلا أو أحد الزوجين المعرفة والمهارات.
3 - مهارات إدارة الخلافات المبنية على طبيعة الشخصية: حيث أن تاريخ الفرد وتربيته ومجموعة من العوامل الأسرية والثقافية أنتجت شخصية بطبيعة معينة لدى كل منهما، وامتلاك كلا أو أحد الزوجين لمهارات تفهم الطرف الثاني، وطبيعة شخصيته ومهارات إدارة الخلافات التي قد تنتج عن الاختلاف في شخصية كل منهما يسهم في حياة زوجية أكثر استقرار.
4 - مهارات إدارة العلاقات الجانبية: إن الأسرة الجديدة جزء من أسر أخرى، كما أن كل زوج كائن اجتماعي له علاقات أخرى كالعلاقات بالأصدقاء والجيران وزملاء العمل، وهذه العلاقات قد تسهم في دعم الأسرة ونجاحها، أو قد تلعب دوراً هادماً وذلك يعتمد على تفهم كلا أو أحد الزوجين لأسس الإدارة السليمة لهذه العلاقات.
5 - مهارات العلاقة الحميمة: حيث أن العلاقات الحميمة بين الزوجين إذا كانت مشبعة لكلا الزوجين تخفف من حدة المشكلات والضغوطات الأخرى، أما إذا كانت غير مشبعة فإنها تفجر الخلافات البسيطة، وتفاقم أثر الضغوطات.
ولابد من التأكيد على أن الزوج الأكثر نضجاً هو الذي يمتلك مهارات أعلى بصرف النظر عن جنس الزوج (الذكر أم الأنثى)، كما أن مسئولية نجاح الحياة الزوجية تقع على عاتق الزوج الذي يمتلك درجة أعلى من المهارات، مع أن الحالة المثالية لتحقيق حياة زوجية مستقرة ومشبعة تلك التي يمتلك فيها كلا الزوجين نسبة مناسبة من مهارات إدارة الحياة الزوجية.

د/ عائشة محمود عجوة
أخصائية إرشاد وتوجيه مركز الإرشاد الطلابي