نواصل الحديث عن الحقوق الإنسانية المشروعة من خلال استقراء نصوص النظام الأساسي للدولة وبقية القوانين العمانية وكذلك نصوص الإعلان العالمي الراعية لهذه الحقوق، وقد سبق الحديث في الحلقات الثلاث السابقة عن التعريف بحقوق الإنسان وحق العدل والمساواة وحق الحياة والسلامة الجسمية، واليوم نستدرج الحديث عن حق حرية التنقل في السلطنة، إذ إنه من الحقوق التي يتمتع بها المواطن والمقيم على حد سواء في كل الأماكن، ومختلف الأوقات والأزمنة، إلا ما يكون من أوقات لا تتأتئ الحركة بها؛ للأخطار التي قد يتعرض لها الإنسان، كأوقات الأمطار أو العواصف الشديدة أو العوامل الطبيعية التي قد يكون خروج الإنسان فيها معرضا للخطر، فإن الجهات المعنية في هذه الحالة قد تضطر إلى توقيف الحركة في بعض الأماكن أو تنصح الأفراد بعدم الخروج أو التجمع في أماكن معينة؛ سلامة لأرواحهم، وحفاظا على ممتلكاتهم. وقد تطرق البعض إلى إعطاء تعريف اصطلاحي لحق التنقل، وممن عرفوه كمال رحيم حيث يقول في تفسيره له: "يقصد بحرية التنقل أن يكون للإنسان الحق في الغدو والرواح من مكان إلى آخر أو من داخل البلاد إلى خارجها أو العكس، دون أن يمنعه من ذلك أحد إلا بعلة ومسوّغ"، وعرفه أسامة نائل المحيسن بأنه: "هي إمكانية تغيير الفرد لمكانه وفقا لمشيئته والذهاب والمجيء في الأماكن العامة والخاصة به حيث يشاء".
إن مدلول ألفاظ النصين السابقين لمعنى حق الحرية في التنقل تقضي بألا يعترض على أي إنسان سواء في تحركاته أو في سكناته من حيث اختياره لمحل الإقامة التي يرغبها بنفسه، وكذلك تنقله بين مكان وآخر. وقد جاء النظام الأساسي للدولة مدللا على هذا التفسير، حيث نصت المادة (18) منه على ذلك بالقول: "الحرية الشخصية مكـفولة وفقا للقانون. ولا يجوز القبض على إنسـان أو تـفتيشـه أو حجـزه أو حبسـه أو تحديـد إقامته أو تـقييد حريته في الإقامة أو التـنقل إلا وفق أحكام القانون".
إن من المحاذير القانونية بنص المادة السابقة تقييد حرية التنقل للإنسان أو تحديد إقامته أو الحد منها بحجزه أو حبسه، ولأجل توظيف مدلولات المادة القانونية الراعية لحق حرية التنقل، جاءت القوانين العمانية الخاصة منظمة تقرير حق التنقل للمواطن والمقيم في السلطنة عند ارتفاع الموانع، حيث جاء قانون الإجراءات الجزائية مؤكدا على هذا الحق بالقول في المادة(41): "لا يجوز القبض على أي إنسان أو حبسه إلا بأمر من السلطة المختصة بذلك قانونا. ويجب معاملة المقبوض عليه بما يحفظ عليه كرامته..".
غير أن تطبيق الأنظمة والقوانين - في بعض الأحيان - يقضي بمنع وتقييد حق تنقل الأفراد في بعض الحالات المحددة في القانون، وقد ضُبِطَ ذلك بضوابطَ وأطرٍ مرسومةٍ وواضحةٍ في عدة مواد ذكرها قانون الإجراءات الجزائية العماني بالقول: "المادة (42): لمأمور الضبط القضائي في حالات التلبس بالجنايات والجنح المعاقب عليها بالسجن مدة تزيد على ثلاثة أشهر أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر إذا قامت أدلة قوية على ارتكابه الجريمة، فإذا لم يكن حاضرا جاز لمأمور الضبط القضائي أن يصدر أمرا بضبطه وإحضاره ويثبت ذلك في المحضر"، وقد ذكرت المادة (49) منه الشروط التي يجب أن تتوافر في شأن إصدار أمر بالقبض على أي إنسان ومنعه من التنقل وتقييد حريته. وجاءت المواد (53) إلى (60) هي الأخرى من ذات القانون منظمة أحكام الحبس الاحتياطي الذي يقيّد من حق وحرية التنقل للأفراد، وذلك في إطار تطبيق العدالة وحفظ الأمن والاستقرار للوطن والمواطنين.
ولذلك فإن أية تجاوزات ترتكب أثناء القبض على الفرد ومنعه من حرية التنقل تعتبر بمثابة جريمة يعاقب عليها القانون، وقد أشارت المادة (١٦٥) من قانون الجزاء العماني إلى ذلك بالقول: "كل موظف يحجز حرية أحد الأفراد تعسفاً أو في غير الحالات التي ينص عليها القانون يعاقب بالسجن من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من عشرين إلى مائتي ريال".
كما إن بعض مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان دللت على تقرير هذا الحق، وذلك في المادتين (9) و (13) منه، حيث تؤكد نصوصهما على تقرير حق التنقل على صعيد المستوى العالمي، وبذلك يجب على الدول تيسير حركة العبور للأفراد من خلال منافذها الحدودية مع بعضها البعض سواء على الوضع البري أو الجوي أو البحري، كما يجب أن توفر الأمن والاستقرار والضمان السلمي في ذلك التنقل.
وفيما يتصل بحقوق الارتفاق وتصرّف الإنسان في سكناه بالحركات والسكنات والانتقال، فإن التشريع العماني ومن خلال قانون المعاملات المدنية الأخير على سبيل التمثيل، ذكر بعضا من هذه الحقوق بصورة منظمة، فجاءت المادة (954) وما بعدها منه مفصلة هذه الحقوق، ومنها: حق الانتفاع، وحق الاستعمال، وحق السكنى، وحق الطريق، وحق المرور، وحق الشرب، وحق المجرى، وحق المسيل. هذه بعض من الحقوق المتعلقة باستغلال الإنسان لسكناه وماله وتحركه سواء في طريقه أو فيما يتصل بمنافع أملاكه، وهناك حقوق أخرى متصلة بالملكية ذكرها قانون المعاملات المدنية أيضاً، وإلى تناول جديد لحق إنساني أستودعكم الله في الحل والترحال.

محمد بن سيف بن دويّم الشعيلي
من المحكمة العليا
[email protected]