[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
” ..إذا لم تكن احتمالات ارتطام عسكري أميركي روسي ممكنة حالياً بسبب التنسيق الدقيق لتجنبه، فإن احتمالات ارتطام مصالح أميركي روسي تبقى ممكنة جداً، وخطيرة جداً، لأن دخول روسيا القوي فضاء الشرق الأوسط يمكن أن يستدرج القوتين العظميين الى ارتطام عسكري بسبب المصالح وبسبب إصرار إدارة الرئيس بوتين أن لا يبقى هذا الفضاء حكراً على واشنطن الآن وللأبد.”
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
في المقالة المعنونة "لغز روسيا في سوريا" (الوطن الغراء 3 أكتوبر، 2015) لوحظ حجم التحدي للهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط الذي كمن بالتدخل العسكري الروسي في سوريا: فإضافة لامتلاك روسيا قاعدة عسكرية في سوريا، باشرت القوة الجوية الروسية طلعات القصف على مراكز تجمعات ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام ISIL. ولا ريب في أن هذا التدخل العسكري الروسي في الشرق الأوسط، الأول من نوعه منذ الحرب العالمية الثانية، إنما ينطوي كذلك على تطور هام بقدر تعلق الأمر بالتنافس مع التدخل العسكري الأميركي الذي طال أكثر من سنتين بسوريا والعراق. بيد أن التحدي الروسي لم يمر دون استجابة أميركية موائمة كما يبدو، إذ أعلنت الإدارة الأميركية بأنها سترسل ما لايقل عن خمسين عسكرياً من قوات النخبة الى سوريا، ليس للتدريب والمشورة هذه المرة، ولكن كذلك لإجراء عمليات مشتركة ضد "داعش"، سوية مع الميليشيات الكردية هناك. وقد جاء هذا الإعلان خلافاً لتعهد الرئيس باراك أوباما قبل سنتين، بعدم وضع قوات أميركية على الأرض في سوريا.
ولا ريب في أن نكث الرئيس أوباما بتعهده السابق ينطوي على الشعور بثمة تحد روسي، زيادة على الشعور الملحاح بضرورة بقاء الشرق الأوسط فضاءً للنفوذ الأميركي، بالطريقة التي لا تترك مجالاً لروسيا لأن تجد موطيء قدم عسكريا لها في هذا الإقليم الملتهب.
الآن، وبعد عملية القوات الأميركية الناجحة، متجحفلة مع قوات البيشمركة الكردية، لإطلاق سراح أسرى داعش شمالي بغداد، اكتشفنا لأول مرة وجود وحدات أميركية فعّالة في العراق. بيد أن للمرء أن يتكيء متيقناً من أن الإعلان عن العملية أعلاه، وعن إرسال قوات خاصة للتجحفل مع القوات الكردية في سوريا يأتي رد فعل للدخول القوي للقوات الروسية في فضاء الشرق الأوسط الملتهب.
وإذا لم تكن احتمالات إرتطام عسكري أميركي روسي ممكنة حالياً بسبب التنسيق الدقيق لتجنبه، فان إحتمالات إرتطام مصالح أميركي روسي تبقى ممكنة جداً، وخطيرة جداً، لأن دخول روسيا القوي فضاء الشرق الأوسط يمكن أن يستدرج القوتين العظميين الى إرتطام عسكري بسبب المصالح وبسبب إصرار إدارة الرئيس بوتين أن لا يبقى هذا الفضاء حكراً على واشنطن الآن وللأبد.
يمكن الإعلان عن إرسال قوات أميركية الى أرض سوريا القلق الأميركي من هذا التنافس الجديد، زيادة على عكسه مسببات نكث الرئيس أوباما لوعوده بعدم إرسال قوات أميركية الى الأرض في سوريا والعراق. وهكذا تكشف الأحداث الساخنة عن تحول الدولتين العربيتين الى فضاء تنافس دولي خطير، بين قوتين عظميين لا مجال للعبث بينهما.
لست اشك في أن قرار الرئيس أوباما أعلاه جاء خلافاً لتعهده للجمهور الأميركي بسحب القوات الأميركية من بقاع العالم المختلفة، مع إشارة خاصة لأفغانستان والعراق. لقد كان سحب القوات الأميركية من العراق سابقا لأوانه بكل تأكيد، نظراً لعدم تمكن الحكومات العراقية المتتالية التشكيل من الحفاظ على أمن وسلامة أراضي العراق، بدليل خسارة الموصل وإقليمها الغني وهيمنة "داعش" عليه منذ أكثر من سنة، للأسف.
الآن أدرك الرئيس أوباما بأن الشرق الأوسط ليس لعبة الكترونية تمكن إدارتها بالبساطة التي كان يفترضها أثناء الحملات الإنتخابية. الشرق الأوسط إقليم صادم ومليء بالمفاجآت والألغام التي لا يمكن التغاضي عنها.