[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
” .. حرصت السلطنة على إقامة علاقات طيبة وصلات وطيدة مع الدول الشقيقة والصديقة، في المنطقة وحول العالم، ومثلما حملت السفن العمانية قديماً البضائع والتجارة ومعها رسائل الود والسلام إلى شعوب العالم، حرصت السياسة الخارجية المعاصرة على تأسيس علاقات التعاون والصداقة مع الأشقاء والأصدقاء، دون المساس باستقلال القرار الوطني وصيانة الهوية العربية والإسلامية والتراث العماني الضارب في أعماق التاريخ،”
ـــــــــــــــــــــــــــ
النجاح الذي حققته الدبلوماسية العمانية في إدارة السياسة الخارجية والتعاطي مع الأزمات المتعددة؛ بات حديث العالم شرقه وغربه، إعجاباً وتقديراً بالدور النشط والرؤية الصائبة والمواقف الثابتة؛ التي طالما اتخذتها عمان حيال قضايا المنطقة، منذ بزوغ فجر النهضة المباركة الذي أضاء شعلتها جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ حفظه الله ورعاه ـ وبفضل هذا النهج الدبلوماسي الناضج المستند على البحث والتحليل والقراءة الواعية للأحداث، والاستفادة من دروس التاريخ ـ احتلت عمان مكانة متميزة وأصبحت صمام الأمان في معادلة التوازنات الإقليمية والدولية، امتداداً لدورها الحضاري العريق وتأثيرها الإقليمي على مدار التاريخ، مستلهمة من رؤية ونهج القائد قابوس، زادًا للتحرك بخطوات واثقة لنشر الخير والسلام ونبذ العنف والحروب وحل الصراعات بالحوار والتفاهم عن طريق المفاوضات.
ولطالما أكد جلالة السلطان ـ أعزه الله ـ على ثوابت السياسة الخارجية لعمان في أكثر من مناسبة؛ ومنها نطق جلالته السامي في افتتاح مجلس عمان في 14/11/2006م " أثبت النهج الذي اتبعناه في سياستنا الخارجية خلال العقود الماضية ـ جدواه وسلامته بتوفيق من الله ونحن ملتزمون بهذا النهج الذي يقوم على مناصرة الحق والعدل والسلام والأمن والتسامح والمحبة والدعوة إلى تعاون الدول من أجل توطيد الاستقرار وزيادة النماء والازدهار ومعالجة أسباب التوتر في العلاقات الدولية بحل المشكلات المتفاقمة حلاً دائماً وعادلاً يعزز التعايش السلمي بين الأمم ويعود على البشرية جمعاء بالخير العميم".
وحرصت السلطنة على إقامة علاقات طيبة وصلات وطيدة مع الدول الشقيقة والصديقة، في المنطقة وحول العالم، ومثلما حملت السفن العمانية قديماً البضائع والتجارة ومعها رسائل الود والسلام إلى شعوب العالم، حرصت السياسة الخارجية المعاصرة على تأسيس علاقات التعاون والصداقة مع الأشقاء والأصدقاء، دون المساس باستقلال القرار الوطني وصيانة الهوية العربية والإسلامية والتراث العماني الضارب في أعماق التاريخ، وفي إطار من الواقعية والقراءة الواعية لتطورات الأحداث الإقليمية والدولية ، والتعامل معها بمرونة ووعي بحقائق الجغرافيا والتاريخ ورؤية شاملة لاعتبارات المستقبل، في منطقة عرفت الحروب والصراعات الطريق إليها مؤخراً وأضحت تحاصرها الأزمات والتوترات من كل جانب.
لقد حرصت السلطنة على امتداد تاريخها على الحفاظ على استقلالها ووحدة أراضيها، وفي نفس الوقت احترام استقلال ووحدة أراضي الغير، وسعت إلى تمتين علاقات الإخوة وحسن الجوار ودعم القضايا العربية القومية وحرصت على تعزيز التضامن العربي والدفاع عن الحقوق العربية المشروعة بكل ما أوتيت من قوة معنوية ومادية (القضية الفلسطينية نموذجاً)، تمارس هذه السياسة بفاعلية وثقة وهدوء دون ضجيج أو صخب إعلامي، ولعل التطورات الأخيرة التي شهدتها منطقتنا العربية عقب ما سمي بـ (الربيع العربي) أكدت بما لايدع مجالاً للشك قدرات الدبلوماسية العمانية غير المحدودة في التعاطي مع الأزمات السياسية ومواكبة التحولات "الدراماتيكية" الناشئة عن انتشار النزاعات والعنف وعدم الاستقرار الذي يهدد مقدرات المنطقة العربية بأسرها، وطال لهيبها دول الجوار .
حافظت السلطنة على سياستها المتوازنة، ولم تنجر إلى مواقف انفعالية غير مدروسة، وهي القاعدة نفسها التي تحركت وفقها السلطنة في تعاملها مع الملف النووي الإيراني بتفاعلاته الإقليمية والدولية، وفي تعاطيها مع الأزمة السورية البالغة التعقيد والحساسية، فمنذ اليوم الأول لاندلاع الأزمة دعت السلطنة لنبذ العنف ووقف الاقتتتال ودعت الأطراف المتصارعة إلى الجلوس على مائدة المفاوضات والانخراط في عملية سياسية تلبي تطلعات وآمال الشعب السوري بما يحفظ أمن واستقرار ووحدة الأراضي السورية، ودعت السلطنة الأطراف الدولية الفاعلة ومجلس الأمن الدولي إلى السعي لتحقيق التوافق بين الفرقاء واتخاذ موقف موحد بعيداً عن الصراعات والمصالح السياسية، ودون انحياز لأي من أطراف الأزمة، ومازالت الدبلوماسية العمانية تسعى جاهدة لإنجاح أي مبادرة تدعو للحل السلمي للأزمة وتدعم أي حوار سياسي وطني جاد يشارك فيه كافة أطياف الشعب السوري دون إقصاء أو تهميش، لبدء مرحلة انتقالية بقيادة سورية تقطع الطريق على التدخل الأجنبي وتمنع شبح التقسيم.
ورغم النجاحات المتوالية للدبلوماسية العمانية في المجال السياسي، فإنها تقوم أيضاً بدور بارز في توطيد العلاقات التجارية والاقتصادية، بتسخير إمكانيات وزارة الخارجية المتمثلة في سفارات وقنصليات السلطنة في الخارج في الترويج للسلطنة وتعزيز مكانتها وسمعتها كواحة للمحبة والأمن والسلام على الساحة الدولية، وكبلد صديق للعالم ومقصد واعد وجاذب للاستثمار والسياحة والتجارة الخارجية، بلد يسود فيه التعايش السلمي والتسامح الديني ويحتكم فيه الجميع إلى القانون وتظلله قيم العدل والمساواة ويتمتع أهله بالأصالة والكرم وقبول الآخر، بلد صاحب حضارة وتراث وقيم ضاربة في أعماق التاريخ.
وأثبتت الأحداث أن المنهج العلمي والتخطيط الاستراتيجي السليم، هو الضمانة الأساسية لنجاعة التوجه العماني والعنوان الدائم لصناعة القرار السياسي، وهو ما يتيح فرصاً متعددة للاختيارات الصائبة المتأنية والتي تتخذ بعد دراسة وتدقيق ومراجعات وافية، بفضل توجيهات حضرة صاحب الجلالة ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي أسس عمان الحديثة، في صورة براقة لتحتل مكانة تليق وتتجاوب مع الموروث التاريخي للسلطنة، ولتعيد بناء قواها وتشيد جسور علاقاتها مع الآخر وتستعيد مكانتها المتميزة كدولة مؤثرة في محيطها الإقليمي والدولي ، وترتقي بموقعها ودورها المحوري تدريجياً، حتى صارت السلطنة اليوم مرجعاً ومركزاً تقصده دول وزعامات العالم للمشورة ، وأخذ الرأي والاستفادة من حكمة القائد والرؤية الصائبة والقراءة الواعية للأحداث، والتعرف على تجربة السلطنة في التعامل مع التحديات الخارجية المتزايدة، مع حفاظها على حيادها الإيجابي واستقلال قرارها الوطني.