[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/kazemalmosawy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]كاظم الموسوي[/author]
” أصدرت الحركة نداء تاريخيا في 9 يوليو 2005، في الذكرى السنوية الأولى لقرار محكمة العدل الدولية في لاهاي بإدانة الجدار الاستعماري بل الاحتلال الإسرائيلي برمّته، وَقّع عليه أكثر من 170 من القوى والفعاليات والأحزاب والإئتلافات والمؤسسات الفلسطينية في كامل فلسطين والشتات. مشكلة بعد مؤتمرها الاول عام 2008 أكبر ائتلاف مجتمع مدني فلسطيني، ومرجعية وقيادة حركة BDS العالمية..”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تُذكّر تحركات انسانية من منظمات وأفراد في اكثر من مكان من المعمورة الشعوب العربية وحكوماتها في اغلب الاحيان بواجبات يفترض ان يؤدوها دون هذا التذكير. ويقدمون لهذه المنظمات والأفراد نماذج من أعمالهم أو تطبيقاتهم لهذه الواجبات القانونية والانسانية والمهمات الاساسية لهم. ولعل في العريضة التي وقعها مؤخرا 343 اكاديميا بريطانيا من 72 مؤسسة اكاديمية بريطانية، بما فيها اكسفورد وكامبردج، ومطالبتهم بمقاطعة جامعات الكيان الصهيوني، درسا اكاديميا لمن يعنيه الأمر. انتشر الخبر في أوساط اكاديمية عالمية ورحبت به قوى وطنية ومنظمات انسانية دولية، ولكن قابله للأسف، في المقارنة والوقائع المعروفة، اذا كان ثمة اسف هنا، ما يخجل ويحرج اصحاب الضمائر والنوايا الخيرة. لاسيما وان اصحابه مسؤولون عرب يعملون ليل نهار، في السر والعلن، على التطبيع مع هذا الكيان وتمرير استيطانه واحتلاله لأرض فلسطين وتشريد شعبها وتصفية القضية الفلسطينية. التي يدعون كذبا وتضليلا بأنها القضية المركزية في بعض خطاباتهم العربية او لدى مروجي اعلامهم المخادع، ولكنهم في الحقيقة يقدمون الدعم الكامل للكيان ويلتقون مع سياساته في اكثر من مجال. وكما يبدو غاب الخوف او الخشية من تصرفاتهم هذه، بل ان بعضهم اخد يتباهى بتلك الصلات واللقاءات والحديث عنها علنا الى وسائل اعلامهم الرسمي.
طالب اكاديميون بريطانيون في عريضتهم بمقاطعة أكاديمية للكيان الاسرائيلي بسبب خرقه للقانون الدولي واستمرار احتلاله للأراضي الفلسطينية. ورفض العمل مع أي من جامعاته. وقرر الموقعون أنهم لن يزوروا "إسرائيل" أبدا ما دامت "دولة محتلة"، كذلك لن ينصحوا أي شخص أو يوجهوه للتعامل مع أي مؤسسة أكاديمية "إسرائيلية". وبينت العريضة إن معهد الأبحاث التكنولوجية "التخنيون" في حيفا يطور برامج وأدوات تستخدم لهدم منازل الفلسطينيين، ولا يمكن للمؤسسات الأكاديمية أو الأكاديميين السماح بمثل هذه الأمور، ولا يجب التعامل مع التخنيون لسبب كهذا. (ورغم ما في العريضة والمطالبات من امور للجدل والنقاش، ماذا يرد المطبع العربي عليها؟ وكيف يبرر تشجيعه الكيان الصهيوني على القيام بهذه الجرائم؟)
ذكرت البروفيسورة جين هاردي - إحدى الموقعات على العريضة- أن هذه فرصة حقيقية للأكاديميين لضم صوتهم إلى صوت حركة مقاطعة "إسرائيل" التي يزداد تأييدها في المجتمع الدولي، والتي ترى أن"إسرائيل" لا تنفك تخرق القانون الدولي وتنتهك حقوق الإنسان. وأضافت هاردي أن "إسرائيل" كذلك تمنع مشاركة اكاديميين فلسطينيين من الاشتراك في فعاليات اكاديمية عالمية.. قالت هذا الكلام الواضح من قبلها والمعبر عن قناعتها والموقعين معها في اكثر من وسيلة اعلامية حين سؤالها، بما فيها صحافة الكيان نفسه. واذا قارناها مع ما صرح به عرب الى وسائل الاعلام الصهيونية ورغبتهم في زيارة الكيان واستقبالهم لممثليه، فماذا يكون الموقف وكيف تكون الحالة؟! يا لعارهم الشنيع!.
ليست هذه العريضة جديدة. هي استمرار لتراكم عمل انساني وقانوني في اتحاد أساتذة الجامعات البريطانية، وغيره، وقد قاطع جامعات بعينها كجامعتي حيفا وبار إيلان سابقا، وكانت الحملة هذه قد بدأت في بريطانيا منذ حوالي اكثر من عقد من الزمان. ويمثل الاتحاد الاكاديمي حوالي 48 ألف محاضر جامعي. وقراراته ملزمة لأعضائه في الامتناع عن زيارة او تعاون في مجال البحث العلمي، أو قبول دعوات لحضور مؤتمرات، أو دعوة أكاديميين "إسرائيليين" للمشاركة في نشاطات علمية وبحثية في بريطانيا. ( هل قرأ المطبلون للمشاركات في المعارض والندوات في العواصم العربية، الخليجية خصوصا، ذلك؟!).
تترافق هذه الحملات وتتواصل بأساليبها المتعددة مع ما أعلنته حركة مقاطعة اسرائيل BDS. (عالميا تعرف بحركة Boycott Divestment and Sanctions أو اختصارا، BDS). خاصة وقد اصبحت حركة عالمية لمقاطعة الكيان وسحب الإستثمارات منه وفرض العقوبات عليه حتى ينصاع للقانون الدولي بالكامل ويلتزم بحقوق الشعب الفلسطيني. ورغم مجاراتها للسياسات العامة ومطالبتها بما توصلت اليه سياسات الحلول الدولية بشأن حقوق الشعب الفلسطيني الا انها تتعرض الى ضغوط وتهديدات من لدن قوات الاحتلال وداعميها داخل وخارج فلسطين. ولما حققته من نجاحات أصبحت تصنف بـ(خطر استراتيجي) عند الكيان الاسرائيلي.
اصدرت الحركة نداء تاريخيا في 9 يوليو 2005، في الذكرى السنوية الأولى لقرار محكمة العدل الدولية في لاهاي بإدانة الجدار الاستعماري بل الاحتلال الإسرائيلي برمّته، وَقّع عليه أكثر من 170 من القوى والفعاليات والأحزاب والإئتلافات والمؤسسات الفلسطينية في كامل فلسطين والشتات. مشكلة بعد مؤتمرها الاول عام 2008 أكبر ائتلاف مجتمع مدني فلسطيني، ومرجعية وقيادة حركة BDS العالمية..
ربما من المهم هنا الإشارة إلى المرأة التي وقفت بقوة وراء صدور القرار الاول في اتحاد الاساتذة الاكاديميين، سوبلاكويل، المحاضرة بجامعة برمنجهام، والتي كانت ترد على كل انتقاد يوجه لها لجهودها المتواصلة لإصدار القرار، بأنه: "من المستحيل أن تتعاطى مع أكاديمي دولة "إسرائيل" باعتبارهم مواطنين طبيعيين ينتمون لدولة طبيعية". وتؤكد بلاكويل موقفها الواضح حيال الكيان الاسرائيلي نفسه وتعتبره "دولة غير شرعية"، وترى بأن القرار الأكاديمي من شأنه أن يشكل قوة ضغط على "إسرائيل"، معتبرة أن السبب الرئيس وراء مؤازرتها لقرار مقاطعة المعاهد والأكاديميين الإسرائيليين هو كون تلك المؤسسات متورطة في الإساءة للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وأنه من الضروري بمكان أن يقف اساتذة الجامعات ضد ما تصفه بـ"دولة الأبارتهايد". وتنتقد بلاكويل بكل شجاعة "حائط الصمت العظيم والتواطؤ من قبل الأكاديميين الإسرائيليين" حيال ما يحدث في فلسطين المحتلة. ولا تفهم كيف أن هؤلاء الأكاديميين لا يتفوهون بكلمة حول الاحتلال وهم يتوقعون أن يمر الأمر بشكل عادي، وأن يتم التعامل معهم على أنهم مواطنون طبيعيون من دولة طبيعية، يتوقعون أن يكونوا مرحبا بهم في المحافل الدولية وكأن شيئا لم يكن.
المقاطعة وسيلة من وسائل النضال ضد العنصرية والاحتلال والاستعمار، وقد نجحت في تجارب كثيرة، وهي موقف انساني وقانوني وأخلاقي ينبغي تطويره إلى ما يخدم البشرية والقانون.