لم يكن إعلان وزير الخارجية الأميركي جون كيري في إرسال قوات خاصة إلى سوريا، سوى نقطة على السطر، حيث أنه بات واضحا أن بلاده تتصرف كعادتها ببلطجة واضحة، فهي لا تطلب إذنا من أحد، ومن صاحب البلد الذي أرسلت إليه تلك القوات، ومع ذلك ابتهج مدللو واشنطن، وهم الذين كيفما غنت أطربتهم، بل إذا ماعزفت أرقصتهم، وإذا ما روت أضحكتهم. وجدوا في خطوتها ضالتهم، ورأوا فيها حكمة، وهي مثال التعدي على ثرى بلد له قدسيته، وكان عليها قبلا أن تتقدم بطلب تدخل قبل أن تخطو.
لكن،عندما قررت موسكو المشاركة في الحرب على الإرهاب، جاءت خطوتها عكس ما فعلته واشنطن، أي بناء على طلب من القيادة السورية، بل من المؤكد أن الروس لم يحركوا طائرة أو جنديا إلا بناء على طلب الرئيس السوري بشار الأسد، فاين تلك الخطوة الروسية من الأميركية التي باتت تعديا في عرف القانون.
مدللو أميركا امتقعت وجوههم حين جاء الروسي بقوته المباشرة، فكالوا له الذم. وبدل الثناء على مقاتلته للإرهاب، هددوا وتوعدوا، بل ان بعضهم أطلق الفتاوى لمقاتلة الجيش الروسي، ثم أقاموا الدنيا تحت مفهوم أفغنة سوريا. هؤلاء القوم من الأعراب وغيرهم، لم نسمع صوتهم في كل المذابح التي تعرض ويتعرض لها الشعب الفلسطيني سواء في غزة أو غيرها، بل لم نسمع كلاما حسنا ضد الإرهاب في سوريا وفي غيرها.
لا تطربهم أذن غير الولايات المتحدة، كل ما تفعله أكان شرا فهو خير، فماذا على الخير برأيهم إن وجد في السجل الأميركي.
لكن ما فعلته روسيا خلال أيام مشاركتها في الحرب على الإرهاب لم تفعله أميركا ولا حلفها خلال سنة. مئات من الإرهابيين قتلوا ومئات فروا، وكما نعرف ان محركهم وممولهم وداعمهم أمرهم بالذهاب إلى عدن لممارسة الشيطنة وإرهابهم هناك، في تلك المدينة العربية التي كانت تعيش أوقاتها الهانئة، جاءت تلك البلية لتمارس ما تفعله في الرقة وغيرها. " داعش " في الرقة تمارس أبشع انواع الاستبداد الاجتماعي على السكان المحليين، والقادمون من هناك يروون ما لا يصدقه عقل من ممارسات شائنة وغريبة، لا تمت للإسلام بأية صلة.
نريد أن نعرف ماهية الخطوة الأميركية في سوريا، ومن هي القوات الخاصة التي أطلقتها او التي ستطلقها. لقد حاولت عبر مجموعات صغيرة ممن سمتهم سابقا المعارضة المعتدلة، فإذا بهذه تستسلم فورا لـ " النصرة " وترمي سلاحها لها فيصبح الخيار الأميركي كوميديا في بعده وفي خياره. وبهذا علمتنا أميركا دائما، أنها حين تقاتل " داعش " فهي ترمي عليها ورودا ومساعدات عسكرية وحاجاتية، هي تلعب على عدة حبال، تدعم الدولة العراقية ضمن شروط، وتدعم " داعش " ضمن شرط أن تظل ضمن حيز جغرافي مختار من قبلها.
يتضح بعد كل ذلك، صورة المشاركة الروسية في الحرب على الإرهاب وجدية هذه المشاركة وخيرها الوحيد في قتاله حتى النهاية، فيما يحول الأميركي أي موقف له تحت سقف مقاتلة الإرهاب إلى أقل مما هو مطلوب من دولة عظمى، بل إلى اتهام لها.