على مقعد في سينما بإنجلترا أخذت مكاني في القاعة التي ضمت عددا قليلا جداً من الرجال وامتلأت بالنساء اللواتي تدل أشكالهن على أنهن تجاوزن الأربعين وهو الجيل الذي مازال مهتما بالقضايا الجادة في المجتمع البريطاني وكأنهن أتين ليناصرن إميلين بانكيرست رئيسة حركة سفرجت التي مكنت المرأة البريطانية من اكتساب حقها في التصويت عام 1918م عندما صوّت البرلمان البريطاني لإعطاء المرأة التي يتجاوز عمرها الثلاثين الحق في التصويت وفي عام 1928م خُفض العمر ليكون واحدا وعشرين وهو نفس العام الذي توفيت فيه إميلين، وذلك بعد صراع مع السلطة آنذاك والتضحيات التي قدمتها المرأة للحصول على حقها في التصويت سواء كانت تضحيات عائلية ومجتمعية في الوقت الذي ما زال فيه المجتمع البريطاني محافظ إلى جانب تضحيات العمل الذي هو مصدر أساسي للعيش في الطبقة الوسطى والفقيرة.
كانت إميلين تعيش مع زوجها وابنها الصغير في منزل جداً بسيط في إحدى ضواحي لندن ، كانت تساعد زوجها في توفير المال وذلك بالعمل في مصنع لغسيل وكي الملابس مع غيرها من النساء من نفس طبقتها اللواتي كانن يستحملن تصرفات المسئول اللاأخلاقية من أجل البقاء في العمل ، لكن إيميلين كانت تستفزها تصرفاته حتى أتى الوقت الذي حرقت فيه يده بعد أن كان يستفزها بعد انتشار صورتها في الصحف على أساس أنها ضد السلطة وخارجة عن القانون ومن هنا كانت التضحية بالعمل من أجل حفظ الشرف والمضي قدماً في الطريق الذي أختارته للمطالبة بحق النساء في التصويت ، وأما التضحية الأكبر عندما بدأت تشارك في المطالبة بحق المرأة في التصويت وإدخالها السجن مراراً كانت ردة فعل زوجها كردة فعل أي رجل في هذا العالم لا يقدر أمه وأخته وزوجته حيث أعتبر ذلك فضيحة وعار جلب لمنزله ولا بد من معاقبتها عليه فكان العقاب الأول طردها من المنزل وحرمانها من رؤية ابنها أما العقاب الأكبر والذي أكاد أجزم بأنها لو كانت تعلم به مسبقاً لما قادت هذه الحركة ألا وهو التضحية بأبنها وذلك عندما قام زوجها بتسليم ابنهما لعائلة ثرية ليعيش معهما فكانت الصدمة الكبرى لها والتي جعلتها تنهار ولكن إصرار الزوج على قراره جعلها لاتستسلم للأمر وتواصل مشوارها من أجل بنات جنسها وهذه أكبر تضحية ضحة بها إميلين ، ولكن في مقابل أنها فتحت باب للنساء الأوروبيات للمطالبة بحقوقهن في السياسة ومن ثم على مستوى العالم وكان آخرها السعودية التي سمحت للمرأة بالتصويت في عام 2015 أي بعد حوالي سبعة وتسعين عام.
هذا الفيلم الذي سلط الضوء على حياة إميلين وضّح الكثير من النقاط التي غابت عن البعض ألا وهي أن النجاح والحصول على الحقوق لابد أن تسبقه تضحيات كثيرة ومعاناة وحصول المرأة البريطانية على حق التصويت جاء بعد صراع وهي الآن تتمتع بالكثير من الحقوق ومنها الحقوق السياسية وحقها في البقاء مع طفلها لفترة طويلة حيث أن إجازة الأمومة ستة أشهر براتب كامل وبنصف راتب بعد الستة أشهر ، ولكن أن مقارنة وضع المرأة في المجتمعات العربية أو الخليجية بشكل خاص مع مجتمعات العالم المتقدم تعتبر مقارنة غير متكافئة ليس من باب أنهم الأفضل أو أكثر انفتاحاً بل لعدد من الأسباب أن تلك المجتمعات سبقتنا بقرون لتصل إلى الوضع الذي تعيش فيه الآن والمحافظة على الإنجاز البشري والتركيز على العقول بدلاً من الأدوات التي تحتاج إلى عقول ناجحة لتشغلها وتستثمرها مع أنها أي تلك الدول ما زالت تواجهة تحديات كثيرة ومنها تحدي الدين الذي تاه عنه الكثيرين وهذه نقطة ضعف تحاول أن تصححها تلك الحكومات بطرق غير مباشرة ، ولكن هذه التحديات ليست على حساب المضي بالبشرية للأمام وقد يكون أقرب مثال يمكن أن يضرب هنا البنية التحتية والمباني التي تحكي عن عمر تلك الحضارات أما المجتمعات العربية العربية فهي الآن في مرحلة التغيير وتحتاج الكثير من الوقت لتصل لمرحلة الانفتاح الفكري النافع وتقبل الآخر والاختلاف معه ، فالاختلاف مقياس لتحرك المجتمعات نحو التغيير وأما الاتفاق فيعني بأن هناك رأيا واحدا مسيطرا يحاول أن يفرض على الجميع .
فيلم سفرجت لم يروي حياة إميلين بانكيرست بتفاصيلها الحقيقية بل زاد في بعض التفاصيل وغير بعضها وقد يكون للمخرج هدف من ذلك على الرغم من يقينة أن المجتمع البريطاني يعي قصة هذه المناضلة السياسية وأعتقد أنه أراد أن يكسب عاطفة المشاهد خاصة فيما يتعلق بطفلها وتضحيتها به فهذه الجزئية التي لم ترد فيما كتب عن حياة إميلين، العاطفة أسهل طريق لحشد الجماهير في كافة المجالات .

خولة بنت سلطان الحوسنية