باحثون يواصلون نبش تاريخ "بيضة الإسلام" وحضارتها .. فكريا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا
أرض نزوى شهدت أحداثا جليلة كان لها عظيم الأثر في التحول السياسي والاجتماعي في السلطنة خلال حقبة الخمسينيات من القرن العشرين

كتب ـ خلفان الزيدي : تصوير : حسين المقبالي :
يا أرضَ نَزْوى تباهي واكتسي زهراً.. فأنتِ بين الفُراتِ العذبِ والمطرِ، ويا سماءَ المعالي أشرقي فلقد.. أضاء جوُّك بين الشمس والقمرِ، بهذه الأبيات الشعرية أنطلق أبو بكر أحمد بن سعيد الخروصي المعروف بالستالي يشدو ويتغنى بمدينة نزوى، وبهجة طبيعتها وأهلها، وهو القادم إليها من بلدة ستال إحدى قرى وادي بني خروص بولاية العوابي، مرتحلا لطلب العلم ومجالسة العلماء والشعراء في عصره.
فبذات الصورة، كانت بهجة مدينة نزوى يوم أمس، ببرنامج حافل، احتفى بعاصمة الثقافة الإسلامية للعام 2015م، هذه الفعاليات التي امتدت حتى مسقط، التي عايشت أمس لليوم الثاني على التوالي فعليات ندوة "نزوى تاريخ وحضارة"، والمعرض الوثائقي السادس، والمقامان في فندق جراند هرمز مسقط، بمرتفعات المطار، وكما يومها الأول، كانت جلسات الندوة تتزين بالحضور الواسع من المهتمين والمثقفين والباحثين في مجال التاريخ والآثار، ومن المدعوين ممن يهمهم جلسات الندوة وعناوين أورق العمل المقدمة فيها، الأمر الذي أثرى الجلسات عبر النقاش والتحاور بين الحضور ومقدمي أوراق العمل.

الجلسة الأولى
تضمن يوم أمس، عقد ثلاث جلسات، شهدت تقديم (17) ورقة عمل، منها ستة أوراق عمل في الجلسة الأولى التي ترأسها الدكتور حميد احمد حمدان التميمي أستاذ قسم التاريخ بجامعة البصرة.
استهلت أوراق الجلسة الأولى بورقة الدكتور محمد بن جمعه الخروصي أستاذ مساعد بقسم إدارة الأعمال بكية العلوم التطبيقية بالرستاق حول "مظاهر الحياة الاقتصادية في مدينة نزوى المزاد العلني"، إبراز فيها المزاد العلني كمظهر من مظاهر الحركة الاقتصادية والاجتماعية في مدينة نزوى باعتبارها كانت تمثل مرجع سياسياً واقتصادياً هاماً لعمان في فترة من فترات التاريخ العماني وذلك من خلال استخدام منهجية التاريخ الشفوي والقائم على تدوين ذاكرة المهتمين والمشتغلين بالمزاد العلني كمفردة لها خصوصيتها الثقافية.
فيما قدم الدكتور أبو ياسر مبورالي كامي المحاضر بجامعة موئ ألدوريت بكينيا ورقة حول "إسهام المساجد والأبنية الأثرية بمدينة نزوى في ازدهار ونشر الحركة العلمية والدينية في عمان والبلاد الأخرى في العالم" ناقش عبرها دور وإسهام المساجد والأبنية الأثرية بمدينة نزوى في ازدهار وانتشار الحركة العلمية والدينية في كافة البلاد العُمانية والبلاد الأخرى في العالم، حيث تعد الأبنية الأثرية الموجودة في نزوى، شاهد عيان على تفوق الإنسان العُماني في مجال العمارة والفنون الإسلامية، كما قام العُمانيون منذ القديم بتشييد المساجد والجوامع والبيوت الأثرية والأبنية الشامخة التي تخرج منها حملة العلم والدين إلى باقي الأطراف العُمانية وغيرها من المدن في العالم، وأصبحت الجوامع والمساجد والأبنية الأثرية بمثابة مراكز علمية يتخرج فيها أفواج من العلماء والمفكرين والأدباء والفقهاء الذين أثروا المكتبات الإسلامية بالعديد من الذخائر العلمية.
وتحدثت الورقة الثالثة عن "الصلات الثقافية بين علماء نزوى وبلاد المغرب في مجال التأليف خلال القرنين 13-14هـ" وقدمها الأستاذ جابر فخار إمام وخطيب بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وأوضح إلى بيان التشارك العلمي والخدمة المتبادلة في مجال التأليف بين العلماء المشارقة والمغاربة، وذلك برصد نتاجهم الفكري خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر، ودراسته دراسة وصفية.
وقدمت هيفاء بنت أحمد بن راشد المعمري باحثة تربوية بالمكتب الفني للدراسات والتطويربوزارة التربية والتعليم، ورقة حول "المعالم الأثرية لمدينة نزوى التاريخية"، عرجت من خلالها إلى العمارة الحربية المتمثلة في تحصينات المدينة كالقلاع والأبراج، وتحدثت عن قلعة نزوى وتحصيناتها الدفاعية.
وقدم الدكتور محمد سيد كامل رئيس قسم التاريخ الإسلامي والحضارة بكلية دار العلوم بجامعة المنيا بجمهورية مصر العربية، بعنوان "التبادل الثقافي بين بيضة الإسلام والبصرة في القرون الأولى للهجرة" والذي تطرق فيها إلى الدور الثقافي والعلمي الذي مارسته نزوى والتي تعتبر صرحاً علمياً وثقافياً منذ القرون الأولى للهجرة النبوية، كما ركز على رحلات طلب العلم التي قام بها عدد غير قليل من علماء نزوى مع البصرة وإسهاماتها في تشكيل العمق الثقافي والذي انعكس بدوره على الناحية العلمية لنزوى.
وعرض الدكتور سعيد بن محمد الهاشمي أستاذ مشارك في قسم التاريخ بجامعة السلطان قابوس، في الورقة السادسة في الجلسة، "مراسلات العلماء حول تنصيب سلطان بن سيف بن سلطان اليعربي بالإمامة (1123هـ/1711م -1131هـ/1719م)، وسلط الضوء من خلالها على رسالة علماء الرستاق واجتماع علماء نزوى عليها، والذين صادقوا على صحة إمامة سلطان بن سيف الثاني وألزموا أنفسهم السمع والطاعة لهذا الإمام؛ وتناول أسماء علماء ذلك العصر وأهمية دور العلماء السياسي.
الجلسة الثانية
الجلسة الثانية من الندوة شملت تقديم خمس أوراق عمل وترأسها الدكتور جمعة بن خليفة بن منصور البوسعيدي، وقد استهلت الجلسة بورقة الدكتور خميس بن ماجد الصباري من كلية العلوم والآداب بجامعة نزوى، حول مدنية نزوى في شعر المناسبات الوطنية من عام 1970م، إلى عام 2015م.
تناول الباحث القصائد التي قيلت تعبيرا عن نزوى في المناسبات الوطنية في الفترة المحددة، والذي يركز على ثلاثة أنواع من القصائد، هي: قصائد الأعياد الوطنية، وقصائد الجولات السلطانية، وقصائد افتتاح المؤسسات الحكومية بنزوى، ويهتم البحث باستقراء شعر المناسبات من حيث ملامحه العامة، وأهمها: البنية المعنوية، والبنية اللفظية.
وحملت الورقة الثانية عنوان "الدور الحضاري لنزوى منذ أقدم العصور حتى قبيل الإسلام" وقدمها الأستاذ الدكتور عصام محمد السعيد أستاذ تاريخ وآثار مصر والشرق الأدنى القديم بجامعة الإسكندرية، تناول فيها مكانة نزوى على مر العصور والشواهد التاريخية التي تثبت مكانتها.
وأستعرض موسى بن خميس بن محمد البوسعيدي مدير دائرة الوثائق بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية "الدور الحضاري للأوقاف والأفلاج في ولاية نزوى"، أنواع الأوقاف في تاريخ ولاية نزوى ونظام إدارتها بالإضافة إلى ذكر أهم الملامح الحضارية لتلك الأوقاف والأفلاج ودورها الريادي في تنمية المجتمع.
وقدم سليّم بن محمد بن سعيد الهنائي مشرف تربوي بوزارة التربية والتعليم ورقته حول الحياة الاقتصادية في ولاية نزوى في منتصف القرن العشرين، وقدم من خلالها دراسة تاريخ ولاية نزوى في الجانب الاقتصادي من حيث الأهمية الاقتصادية لموقع نزوى وحدودها، والأنشطة الاقتصادية التي مارسها سكان نزوى، ودور نزوى كمركز اقتصادي في داخلية عمان على الأوضاع الاقتصادية في عمان.
واختتمت الجلسة الثانية بورقة الدكتور مجدي رشاد عبد الغني أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب بجامعة الفيوم المصرية، واستعرض من خلالها مكانة نزوى التاريخية في عهد دولة اليعاربة ودراسة في أحوالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
وابرز الباحث الأهمية العسكرية التي مثلتها مدينة نزوى في بداية عهد دولة اليعاربة عندما بني اليعاربة أهم قلاع عمان في عصرهم في مدينة نزوى وهي قلعة نزوى مما يدلل على أهميتها العسكرية لتحقيق الاستقرار لاستمرار دولتهم.
الجلسة الثالثة
وتناولت الجلسة الثالثة ليوم أمس والتي ترأسها الدكتور صالح بن عامر بن حارث الخروصي، ستة أوراق عمل، واستهلت بورقة الدكتور محمد بن ناصر بن راشد المنذري مستشار شؤون البرامج الدينية بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون " بنزوى عاصمة لعمان في عام 177 هجري المؤهلات والنتائج " ، تطرق فيها إلى ثلاثة محاور الأول يتناول أهمية نزوى المكانية والتاريخية التي أهلتها لاختيارها عاصمة سياسية وإدارية لعمان، وفي المحور الثاني تناول الدوافع التي جعلت من أهل الحل والعقد نقل العاصمة من صحار إلى نزوى، وذكر في المحور الثالث النتائج التي ترتبت على هذا القرار.
وابرز الأستاذ الدكتور عبد الحميد عبد الجليل أحمد شلبي أستاذ ورئيس قسم التاريخ والحضارة بكلية اللغة العربية بالمنصورة، بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية، في ورقته التقارير البريطانية التي ورد فيها ذكر نزوى خلال حقبة الخمسينيات من القرن العشرين، حتى معركة نزوى عام 1957م.
وأشار إلى أن أرض نزوى شهدت أحداثا عظيمة كان لها عظيم الأثر في التحول السياسي والاجتماعي في السلطنة خلال حقبة الخمسينيات من القرن العشرين، مما لفت انتباه القناصل والمسئولين البريطانيين فأرخوا لتلك الأحداث في مذكراتهم وتقاريرهم الدورية إلى حكومتهم.
وتناول عبد العزيز بن حميد المحذوري باحث تاريخ بهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية أبرز مظاهر العلاقة بين نزوى ومسقط خلال الفترة -1378هـ/1913-1959م"، سلط الضوء من خلالها على أبرز ملامح العلاقة بين هذه المدينة التاريخية ومدينة مسقط التي كانت بدورها العاصمة التقليدية للكيان السياسي القائم على الساحل والذي تعاقب على حكمه سلاطين أسرة البوسعيد.
وأستعرض الدكتور عبد الله بن سعود أمبوسعيدي أستاذ التاريخ المساعد بكلية العلوم التطبيقية بنزوى، الصلات الثقافية والفكرية لنزوى مع البصرة وبلاد المغرب وحضرموت، أشار من خلالها إلى أن عمان لم تكن بمعزل عن العالم الإسلامي، فمنذ أن دخل أهل عُمان الإسلام طوعاً لا كرهاً، وحسن إسلامهم، لم تكتف عُمان بالارتباط السياسي والإداري بالدولة الإسلامية، بل شارك أهلها في الفتوحات الإسلامية، ونشر الدين الإسلامي، وبعد انتهاء عمليات الفتح الإسلامي، استقر عدد من العمانيين وخاصة من قبائل الأزد العُمانية في كل من البصرة، وبلاد المغرب، وحضرموت، وعلى أثر ذلك بدأت الصلات الثقافية والفكرية بين عُمان وهذه البلدان بصفة عامة.
وقدم الدكتور مصطفى بن محمد شريفي أستاذ الحضارة الإسلامية بجامعة نزوى تحقيق لقصيدة "محمد بن مداد وقصيدته المرتدة" وهي قصيدة في التاريخ والفخر وعلم الكلام، تتضمَّن الإشادة بعدة مشايخ، وفخرا بالمذهب، وذكر بعض ما يمتاز به من حيث الاعتقاد، كما أنها احتوت دررا من المفاخر بمآثر الأجداد ومناقبهم.
وأختتمت أوراق الأمس، بورقة قدمتها الباحثة بدرية بنت علي بن جمعة بن محمد الشعيبية من وزارة التربية والتعليم، عرجت من خلالها إلى "الأزياء وأدوات الزينة لدى مجتمع مدينة نزوى (2هـ/8م - 10هـ/16م) ".
وتناولت الباحثة اللباس والزينة لدى الرجال، إلى جانب اللباس والزينة لدى المرأة النزوانية وطريقة الاهتمام بمظهرها، كما يتناول الحلي والمجوهرات التي كانت ترتديها المرأة النزوانية، وتطرقت إلى أزياء الأطفال من الجنسين، والحلي التي يرتديها كل جنس، حيث تبرز تأثير البيئة والدين والوضع الاجتماعي والاقتصادي في التأثير على شكل اللباس ونوعه وكيفية الاهتمام بالمظهر.
وقد أعقب الجلسات نقاشات مستفيضة حول ما طرحه الباحثون من معلومات تاريخية، وما توصلوا إليه من أفكار ورؤى حول عناوين أوراق العمل التي قدموها.
جلسات اليوم
هذا وتختتم ندوة "نزوى تاريخ وحضارة" صباح اليوم بجلستين، تقدم عبرها إثنى عشر ورقة عمل، تتناول عناوين متعددة لتاريخ نزوى وحضارتها، بدءا من المدرسة الفقهية النزوية وحتى السيرة العبادية، مرورا بدراسة أحوال مدينة نزوى الحضارية قبل الإسلام والحياة الفكرية في نزوى في عهد اليعاربة، وملامح من الألقاب السياسية في وثائق أهل نزوى وملامح التعايش السلمي من خلال جوابات فقهاء مدينة نزوى في عهد اليعاربة.