[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]
يكاد المطرب العراقي الراحل ناظم الغزالي أن يكون الوحيد من بين المطربين العراقيين الذي لم يغن لحاكم عراقي في العهدين الملكي والجمهوري طيلة مسيرته الفنية ولكنه غنى للعراق.
وحوَّل الغزالي الغناء إلى وسيلة لتوحيد العراقيين وإبراز تعلقهم بالفن الأصيل بعيدا عن تسييس الغناء واستخدامه في غير مقاصده، ولم يعرف عنه الاقتراب من أي جهة سياسية كانت، ما عزز من سمعته ورصيده بين الجمهور.
واستطاع المطرب ناظم الغزالي أن ينقل الأغنية العراقية إلى خارج حدود العراق لتجد صداها في رحاب الوطن العربي، وقبل ذلك إلى تحويل بيته في منطقة السعدون ببغداد إلى صالون ثقافي يحضره الأدباء والشعراء والفنانون.
ويوصف الغزالي بأنه مثقف ووديع وصبور وسريع حفظ وتقليد للأصوات والشخصيات كلها، واجه عاديات الزمن برباطة جأش حتى في أحلك الظروف، ولم يتخل عن بديهته الحاضرة ونكتته السريعة، وأناقته الشديدة حتى في الأيام التي كان يعاني فيها من الفقر المدقع.
وشهدت بداية الخمسينيات عبور أغاني الغزالي الحدود، فسافر إلى القاهرة وبيروت، وأقام حفلات عدة فأصبح سفيرا للأغنية العراقية. إذ بدأت بوادر الأغنية المتكاملة تظهر مع أغنيات ناظم الغزالي بوجود لوازم موسيقية ضمن توزيع موسيقي تعددت فيه الآلات الغربية والشرقية، وهكذا قلب الغزالي غالبية مقاييس الغناء في العراق.
اعتمد الغزالي مطربًا محترفًا في الإذاعة والتلفزيون العراقي عام 1947 بعد أن كانت بداياته مسرحية وليست غنائية بانضمامه إلى فرقة "الزبانية" وتجربته السينمائية الوحيدة كانت في فيلم "مرحبًا أيها الحب" مع نجاح سلام ليغني أغنيته الشهيرة "يا أم العيون السود ما جوزن أنا" .
ولد الغزالي في منطقة الحيدر خانة في بغداد يتيمًا استطاع أن يكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والتحق بمعهد الفنون الجميلة قسم المسرح، ليحتضنه فيه فنان العراق الكبير حقي الشبلي نجم المسرح وقتها.
خرج الغزالي على الشكل التقليدي في أداء الأغنية، فانتشرت العديد من أغانيه في العالم العربي كله على الرغم من خروجها من بيئة ذات طبيعة شديدة الخصوصية، والتي يرجع فضل انتشارها إلى أن ناظم لم يؤدها، وإنما خرج فيها على الأصول المتبعة ليجعل منها أغنية عذبة سهلة التداول والحفظ.
أما الفضل في حفظها إلى الآن فيعود إلى شركة "جقماقجي" التي بدأت منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي في تسجيل أسطوانات كبار المطربين والمطربات العراقيين، وطبعا كان ناظم منهم إن لم يكن في مقدمتهم؛ إذ كان وقتها المطرب الأكثر شهرة في سماء العراق، وكان بريق نجمه يمتد ليشمل العالم العربي كله؛ الأمر الذي دفع محمد عبدالوهاب أن يطلب من شركة "كايروفون" أن تنتج لناظم عددا من الأسطوانات يضع بنفسه ألحانها، وكاد المشروع الكبير يتم لو لم يرحل الغزالي إلى العالم الآخر.
ولولا وفاته المبكرة ربما لم يكن ليترك كلمة في عيون تراث الشعر العربي إلا وغناها وأمتعنا بها. هكذا أخرج القصائد من دواوينها وجعلها تجري على لسان أبسط الناس الذين أحبوا كلماتها، وأحبوا أكثر الصوت الذي نقلها إلى أذنهم بنبرة الشجن الشائعة في الأصوات العراقية، وإن زاد عليها نبرة أكثر حزنًا بأدائه الدرامي الذي اختلطت فيها الحياة القاسية التي عاشها، وما درسه بمعهد الفنون الجميلة.
وعلى الرغم من مرور أكثر من50 عاما على وفاة الغزالي فإن الغموض ما زال يلف أسباب وفاته المفاجأة إذ أفاق في صباح 23 أكتوبر 1963 وطلب قدحًا من الماء الساخن لحلاقة ذقنه، لكنه سقط مغشيًّا، وبعدها فارق الحياة،، وتعزو رواية أخرى أسباب وفاة الغزالي إلى تناوله السم.