[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
الآن وبعد أن مضى أكثر من عشر سنوات، بدأت السياسة الإرضائية التي اعتمدتها الحكومات العراقية المتعاقبة تعطي (ثمارها) المرة، بل والأشد مرارة في تاريخ الاقتصاد العراقي، مع استمرار تهالك العديد من القطاعات الإنتاجية على امتداد خريطة العراق.
لقد ترأس هذه الحكومات ثلاثة رؤساء وزارات وجمعيهم بدون استثناء اعتمدوا تلك السياسات بغطاء برلماني لا لشيء إلا لمجرد أن يقال عنه إنهم (كرماء) في رعاية الموظفين الحكوميين، من موظفي الدرجة الأولى أصحاب الامتيازات المفتوحة إلى موظفي الدرجات الأوطأ في رواتب تتجاوز الحد المجزي.
لو أن هذه السياسات الإرضائية جاءت نتيجة تطور البنية التنموية وليس في إطار استنزاف الاقتصاد الريعي الذي يخضع لسياسات العرض والطلب، لكان هناك مبرر مقبول لها، ولو كانت قد جاءت أيضا نتيجة جهود استثنائية يقوم بها هؤلاء الموظفون في تصحيح المسارات الإدارية فإن التبرير لها مقبول.
لقد اعتمدت هذه السياسة الإرضائية وسط إغراق الدولة العراقية بموظفين لا يخرج تصنيف أغلبهم، سواء أنهم موظفون عاطلون بالمعنى الدقيق للتوصيف، أي ما يعرف بالمصطلح الشائع (بطالة مقنعة)، جعلت المجال الوظيفي الحكومي العراقي مرتعا خصبا للارتخاء والتسويف وتعقيد الإجراءات الحكومية التي تكبل حقوق الموطنين وتستنزفهم، مالا ووقتا.
إن ما حصل من تلك السياسات الإرضائية ينطبق عليه المثل القائل (حفلة ثعالب) بكل ما تشهد من ضجيج الولائم والعلاوات وفوضى المكافآت التي لم تكن على قياس منهج حاتم الطائي الذي نحر فرسه لإطعام ضيوفه، وإنما على سياق فتح أبواب الخزينة العراقية بدون أية ضوابط تماشيا مع المثل العراقي (بدون وجع قلب) وهكذا تحول المال العام إلى صنيعة سياسية للكسب على حساب الحاجات الاقتصادية الأساسية للعراق.
إن المحزن في ذلك لا يقتصر على هدر للمال العام، بل وأيضا أن أغلب هؤلاء الموظفين صدقوا وهمًا أنهم يستحقون ما يتقاضون من رواتب، والمفارقة أن التحذير من وقوع العراق في فخ العجز، وبالتالي الإفلاس التدريجي قد تم الإعلان عنه منذ ثماني سنوات تقريبًا على لسان مسؤول حكومي معني بالبرمجة التنموية، هو الوزير الأسبق للتخطيط علي غالب بابان، فقد دعا في أكثر من مناسبة واحدة الحكومة العراقية إلى إعادة النظر في المنهج الذي تعتمده؛ لأنها سوف تتحول إلى (جمعية خيرية) ليس إلا، وأن الانحدار إلى هذا المنعطف سيسبب صعوبات كبيرة بما في ذلك تضخم الجهاز الحكومي عددًا وضخًّا ماليًّا يتجاوز الإمكانيات المتاحة ضمن السقف المتوازن للدخل المالي العام في الدولة العراقية.
لقد أعطى صندوق النقد الدولي سقف خمس سنوات مقبلة لوقوع العراق في الإفلاس، بنسخة تعني ارتفاع معدلات العجز في الموازنات المالية السنوية، وعدم قدرة الدولة على تأمين رواتب موظفيها، وإصابة القطاع الخدمي بالشلل مع صعوبة الترميم، وارتفاع حزمة الدين العام، وقد بدأ هذا التوجه خطوته الأولى من خلال بحث الحكومة العراقية الحالية عن ديون خارجية، والشكوك في السندات الائتمانية التي قد يتم اللجوء إليها لتأمين السيولة النقدية، ومن ثم الوقوع تحت سطوة مفهوم الدولة الفاشلة.
إن التضخم الحالي في عدد أفراد موظفي الدولة العراقية وانحسار دور القطاع الخاص، مع التذبذب الخطير في أسعار النفط، وبالتالي قلة النقد المتأتي من بيعه، هي علامات تقع ضمن هذا التشخيص المعلن لصندوق النقد الدولي، وهكذا لا يمكن للعراق أن يستعيد نبضه الاقتصادي إلا بإجراءات إصلاحية قاسية يتحملها جميع العراقيين، وأن تستعيد البلاد فرصة الترشيد المنطوي على المزيد من جسور الوحدة الوطنية وليس التداول بالاتهامات المغرضة، مع ضمان الجدوى من هذا الميدان الاقتصادي أو ذاك.