[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
إذا كانت صورتنا، أناسًا وثقافة وحضارة، بدرجة من الجاذبية أنها جعلت أذكى عقول تلك المراحل الزائلة تغامر بالارتحال إلى بغداد ودمشق، مكة ومسقط، والبحرين ومراكش، فإن المواطن الغربي العادي يفكر ألف مرة الآن قبل أن يتخذ قرارًا بزيارة واحدة إلى مدننا، خشية ما قد يتعرض إليه من مخاطر ومن ارتطامات ثقافية وسلوكية قد تودي بحياته أحيانًا، كما حدث لمسافري الطائرة الروسية قبل بضعة أيام بعد إقلاعهم من شرم الشيخ عائدين لبلادهم!

نظرًا لما أتاحه لي تخصصي الدقيق في الاستشراق والأدبيات المتعلقة به والساندة له، من بين سواها من تعابير غربية حول العرب والمسلمين، وتأسيسًا لتعريفي دوري الفكري، سفيرًا بين ثقافتنا والثقافات الغربية ومادًّا لجسور التفاهم والتلاقح الثقافي، أشعر بامتلاكي درجة ما من سلطة الإعلان بأن صورتنا، عربًا ومسلمين، في دواخل العقل الغربي وعبر ثقافته الشائعة اليوم قد تدهورت وتشوهت بسرعة، مقارنة بمكافئتها في القرون السابقة، ومنها قرون حقبة الكولونياليات الأوروبية.
إذا ساءلك مخاطبك الغربي بما يلي: "هل تشعر بالإحراج، لأنك عربي أو مسلم؟" فما عليك إلا أن تأخذ مثل هذا الاستفهام محكًّا واقعيًّا ودقيق الدلالات على تدهور صورة العرب والمسلمين خلال القرنين الماضيين، أي بين ما كانت عليه عبر قرون خلت وما انتهت إليه الآن، للأسف. ودليل ما أذهب إليه في هذا السياق هو أن هناك العديد من الأفراد القادمين من دول فعلت المستحيل كي تعد دولًا عربية أو كي تفوز بعضوية "جامعة الدول العربية" على سبيل الظفر بمساعدات الدول العربية الغنية وسواها من الاعتبارات، أقول إن هؤلاء ينكرون أنهم عرب وأحيانًا بأنهم مسلمون لحظة وضعهم أقدامهم على تراب دول غربية كالولايات المتحدة أو كندا أو دول أوروبا: الصومالي يعلن فقط بأنه "إفريقي"، وينزعج إذا قلت له "ألست عربيًّا"، ويفضل التكلم بلغة محلية على استعمال اللغة العربية، للأسف. وعلى هذا المنوال ينحو آخرون ممن تشبثت دولهم بالانتماء لجامعة الدول العربية، طمعًا، ليس بالعروبة ولا بالإسلام، ولكن بما يمكن أن تجلبه إليهم هذه العضوية من "مكافآت" مالية، كما يبدو.
أما عندما يرتد المرء إلى إعلانات الآداب الغربية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بل وحتى بدايات القرن العشرين، فإنه لا يمكن أن يفلت من الشعور بالإعجاب الذي خص به العرب والمسلمين عامة، حياتهم وطبائعهم ومجتمعاتهم عبر الإعلانات الثقافية والأدبية الرئيسة، خاصة في الأدبيات الرومانسية، البريطانية والألمانية والفرنسية.
في هذه الأدبيات، غلفت الشخصية العربية والمسلمة بـ"عباءة" رومانسية لا تقبل الشك، كما تمت موازاة الوجود الاجتماعي العربي/الإسلامي بالوجود السكوني السعيد، الطافي على فضاء لا زمني قوامه الملذات الحسية، بل وحتى الملاهي الاجتماعية والثقافية الطريفة، خاصة تلك المستوحاة من مجتمعات (ألف ليلة وليلة) ومكافئاتها من مجتمعات المقامات وحكايات (كليلة ودمنة)، زيادة على ما أتحفت به مكتبات اللغات الأوروبية الرئيسة من كتب الارتحال وأسفار المرتحلين.
وإذا كانت صورتنا، أناسًا وثقافة وحضارة، بدرجة من الجاذبية أنها جعلت أذكى عقول تلك المراحل الزائلة تغامر بالارتحال إلى بغداد ودمشق، مكة ومسقط، والبحرين ومراكش، فإن المواطن الغربي العادي يفكر ألف مرة الآن قبل أن يتخذ قرارًا بزيارة واحدة إلى مدننا، خشية ما قد يتعرض إليه من مخاطر ومن ارتطامات ثقافية وسلوكية قد تودي بحياته أحيانًا، كما حدث لمسافري الطائرة الروسية قبل بضعة أيام بعد إقلاعهم من شرم الشيخ عائدين لبلادهم!
وبطبيعة الحال، ليس لدي مسطرة مدرجة لقياس زاوية تراجع صورتنا كما تقبع هي الآن في قعر العقل الغربي، إلا أن لدي عددًا من المحكات والمحطات التي قادت إلى تشويه هذه الصورة على نحو مؤقت، ودائم أحيانًا. من هذه المحطات كانت الحروب العربية الإسرائيلية (1948، 1967، 1973)، إذ ساعدت اللوبيات الصهيونية في العالم الغربي على تشويه صورة العرب والمسلمين هناك بفاعلية. ومن هذه المحكات كذلك، جاءت حقبة النفط والبترودولار التابعة لها، إذ تم تصوير الإنسان العربي، رجلًا بدينًا يحتضن برميل نفط، بينما تهرول خلف بعيره مجموعة من "نسوانه" اللحاق به وبشهواته.
وللمرء أن يوجه التهم إلى المنظمات والهيئات الإقليمية بعدم اتخاذ ما يلزم لتصحيح وتحسين صورتنا المشوهة أعلاه، ناهيك عن تقاعس أولي الأمر وسراة القوم في بعض بلداننا في هذا المجال التصحيحي.
أما الضربة القاضية التي مزقت صورة العرب والمسلمين في عصرنا الجاري هذا، فقد وجهتها لها شبكات الإرهاب التي أحالت صورتنا إلى نسخة من صور البربرية والدموية، مستثنية كل ما كان يصب في تكريس ألوانها وخطوطها الجميلة، للأسف.