الرسالة السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثامنة والثلاثين المنعقدة حاليا في مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة بباريس خلال الفترة من 3 الى 18 نوفمبر2015م ؛ بمناسبة الذكرى السبعين لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة – اليونسكوـ، وبمناسبة عيدها السبعين مثلت في مضمونها جوهر النهج الإنساني والحضاري الذي رسم جلالته معالمه للتعاطي العماني مع قضايا وهموم البشرية والقائم على مبدأ التسامح وتوطيد أواصر المحبة والتفاهم والتعاون بين الشعوب وإرساء دعائم السلام كما تمارسها تلك المنظمة. فجميل العبارات التي تضمنتها الرسالة السامية، ومعناها العميق الراسخ كقلادة، بل جليل ما تحمله من معان، تكاد تنطبق على أهداف تلك المنظمة الدولية التي تلعب دورا مهما من أجل صالح البشرية جمعاء.
لقد انتهجت السلطنة تلك المبادئ منذ أن أطلق جلالته ـ رعاه الله ـ نور حضوره في أرجائها، ورعى منذ تلك الأيام والساعات المهمة، أن تكون عمان أكثر من وطن عادي، بما صارت إليه من مبادئ وقيم إنسانية رفيعة. واليوم وفي عيد اليونيسكو، لابد لعمان التي أعطت تلك القيم ما تستحقه من التزام، أن يتوجه سلطانها المفدى من المنظمة الدولية ما يجب أن تنتهجه أيضا من أجل سعادة الإنسان.
لاشك أن التعلم الذي هو قيمة من قيم النهضة العمانية كان أساس الرسالة السامية باعتباره الركيزة الأساسية لبناء الإنسان، ولابد كما تضمنته الرسالة أيضا، أن يتم العمل لكافة شعوب العالم إضافة إلى تقاسم المعارف والخبرات، وبالتالي كما يرى جلالته، فإن المطلوب هو برامج نوعية من أجل خدمة تلك الشعوب.
ونظرا لاهتمام جلالته بالشباب واعتبارهم الركيزة الأساسية في عمليات التنمية والبناء الوطني، فكانت كلمته في هذا الصدد المطالبة بالارتقاء بمهارات الشباب وربطها بمهارات سوق العمل، وهو هدف ثمين في ظروف العالم الصعبة، حيث تتابع السلطنة ما يجري في العالم من صراعات ونزاعات، تأمل السلطنة أن تفك عقدها، بل بكثير من الهدوء وبعيدا عن الضجيج، كم تقدمت السلطنة بالمساعدة في إرساء دعائم استقرار ما كان لولاها أن يتحقق، فيما ظلت طي البعد عن الإعلام، لأن من أهم مبادئ عمان ان يسود الاستقرار العالم، ولهذا كانت دعوة جلالته لأن يسود خيار السلام والحوار والتوافق بدل التنابذ والصراع غير المجدي الذي لا أمل له في فرض الحلول بالقوة مهما كان نوعها.
إن الاشارات العميقة في رسالة جلالته أكثر من أن تحصى، وكلها ترتبط بالإنسان وبالعالم وبجوهر الحلول المفترضة ومنها تحقيق المساواة بين الجنسين، وبرأي جلالته، لابد من القضاء على الجوع باعتباره الفضيحة المجلجلة التي لاتستوي مع ما وصل إليه العالم وما حققه على أصعدة أخرى. ومن هذه الآفة التي ينبغي حلها، كان لابد من توفير الأمن الغذائي وهي غاية ثمينة في عالم غير متكافئ في هذا المعنى، وللسلطنة رأي في ذلك كان وما زال، إضافة إلى تعزيزمسألة الزراعة التي تساهم في حل مسألة الغذاء، وخصوصا عند الشعوب النامية التي لم تستطع اللحاق بركب العصرنة.
اختصر جلالته في كلماته السامية ماهو معني بحياة الإنسان وبمعنى تلك الحياة التي هي سمة وجوده على هذه الأرض التي تتسع للجميع. ومن خلال هذا الحرص العماني الذي ساهم منذ زمن بعيد وليس لأول مرة بتقديم أفكاره النيرة من أجل سعادة الإنسان، أن يعيد من على منبر أعلى منظمة متخصصة بالتربية والثقافة والعلم ما كان دافعه الدائم ضمن رؤيته الثاقبة تحقيق العدالة الإنسانية وإطلاق أنسنة البشرية وخلاصها مما هي فيه من معوقات.