[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
رغم أنه استوفى شروط الاهتمام لما تضمن من اتهام، لم يحتل الشعور بالخزي إزاء الهدر الغذائي في العالم مساحة مقبولة من وسائل الإعلام الأسبوع الحالي، لقد جاء هذا الشعور ضمن تقرير للبنك الدولي، وكذلك على لسان رئيسه جيم يونغ كيم.
ربما تكون الأزمة الأوكرانية قد خطفت الأضواء منه، وربما أيضًا ما يدور الآن في ساحة الشرق الأوسط من بؤر للقتل والتشفي والنكايات الأمنية والسياسية، غير أن من الأخلاقي أن يكون الشعور بالخزي ندبا ورثاء ومساءلة ومراجعة للأولويات المطلوبة في مواجهة هذا الهدر، مع العلم أن قائمته ليست سرية، ولا قصيرة، ولا أعتقد أن الهدر وقع بيد هذه المؤسسة الدولية الآن، ولكن (بلغ السيل الزبا) كما يقال.
وهكذا ومن محتوى المفارقة التي أملاها هذا الواقع المشين لطبيعة الهدر والمقارنة بين حالة ملايين البشر وهم يعانون البؤس الذي فرضه الجوع، والبحث عن لقمة تسد الرمق، وبين تخمة البطون والبدانة وما نشهده من عروض أدوية لمعالجتها في منافسة مع مساحيق التجميل والأزياء والشكولاتة!!
وإذا أردنا مع القارئ الكريم أن نؤشر ولو جزئيًّا نوعية وطبيعة الهدر الغذائي فيكفي أن نشير إلى أطنان الأغذية التي يتم إتلافها للحفاظ على سعر معين لها، وكذلك ما يرمى من الأغذية المكدسة في الأسواق الكبيرة، لأن أغذية جديدة يفترض أن تحل محلها، وإذا أضفنا لهذه الصورة صورًا أخرى مستمدة من طبيعة النزعة الاستهلاكية التي تحكم العديد من الشعوب، فلنا أن نتبين ملامح تلك المأساة بأطنان القمامة اليومية من بقايا الأغذية المطبوخة! التي ترمى في مكبات نفايات المنازل والمطاعم، الوضع الذي دفع مؤسسات إنسانية في فرنسا مثلًا إلى المطالبة بفرض غرامات على كل أسرة تحتوي مكباتها من الأغذية كميات غير مسموح بها، ولكن كيف الطريق إلى رصد ذلك وإحصاء هذه المخلفات.
وكيف يمكن مثلًا أن يتراجع الأميركيون عن الحرص على تسميد ملاعب التنس مثلًا ليتسنى إرسال المزيد من الأسمدة إلى دول إفريقية لمعاونتها على تحسين التربة، ثم من أين لنا نحن في المنطقة العربية أن نتملك أخلاقيات التقدير المناسب لكمية الأطعمة لثلاث وجبات بحيث لا يزيد عن الحاجة اليومية للأسرة الواحدة وبذلك نمنع الهدر، وأية آلية اجتماعية نحتاجها للتعامل مع الولائم بروح القناعة والكفاية دون أن نسيء إلى معيار الكرم الذي وضعه حاتم الطائي!
لقد أورد تقرير البنك دولي معلومات مفيدة للبناء عليها، إذ أشار إلى أن 61% من الهدر العالمي تتحمل مسؤوليته الولايات المتحدة الأميركية وكندا وبدرجة أقل المكسيك ضمن قارة أميركا الشمالية، في حين أن نسبة الهدر في دول جنوب الصحراء الإفريقية تصل إلى 5% فقط من الغذاء المستهلك، ترافقها كميات كبيرة من الغذاء المهدور خلال مرحلتي الإنتاج والتصنيع، ونوه البنك الدولي في تقريره بمعلومات إحصائية تقول إن العالم يفقد، أي يهدر ما نسبة 25 إلى 33% من الغذاء الذي ينتجه للاستهلاك، والمحزن في ذلك أن الهدر في الحبوب يصل إلى 53% برغم أنها المصدر الوحيد لرغيف الخبز كذلك (الطبيخ)، وحدد تقرير البنك الدولي أربع مستويات مراحل للهدر تتمثل بالاستهلاك، والإنتاج، والتسليم، والتخزين.
أمام ذلك كله ماذا نحتاج لوقف الشعور بالخزي جراء ذلك؟ لا شك أن الحلول معقدة، غير أن الإرادة العالمية النزيهة قادرة على أن تعيد المشهد الغذائي إلى الدائرة التي ترى فيه أنه نعمة ينبغي التعامل معها بالكثير من التدبير والحرص، والانتباه إلى أن هناك من يموت جوعًا يوميًّا.