[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
الكلمة السامية التي افتتح بها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الفترة السادسة لمجلس عُمان في حصن الشموخ بمحافظة الداخلية يوم أمس، جاءت موجزة في ألفاظها وجملها، لكنها أوفت بكل المعاني والعناوين والرسائل الوطنية التي أرادت إيصالها ورصتها في قوالبها الوطنية المعروفة للجميع بمن فيهم المعنيون بها، حالها كحال جميع الكلمات السامية التي تفضل جلالته ـ أبقاه الله ـ بإلقائها في المناسبات الوطنية السابقة.
إذا كان الكلام يموت عند أناس وساسة وأقوام، فإنه يحيا عند آخرين من ذوي الرسالات السامية؛ لأن أصحابها لا يقتلون الكلام ولا يلقونه على عواهنه، ولا يرصون مفرداته رصًّا متكلفًا أو متزلفًا. ولأن جلالة السلطان المعظم ـ أيده الله ـ من الساسة الكبار الذين يحيون الكلام، فقد جاءت كلمته السامية موجزة اللفظ شاملة المعنى، مؤكدة ما استقام على أرض عُمان الماجدة، مُعظِّمةً شأنه وأهمية الحفاظ عليه، شاكرةً المولى جلَّ شأنه على توفيقه وآلائه، مُوجِّهةً عزائم الرجال نحو أماناتها ومسؤولياتها الوطنية، حيث قال جلالته: "إن ما تحقق على أرض عُمان من مُنجزات في مختلف المجالات, لهي مبعث فخر ومصدر اعتزاز, وإننا نتطلع إلى مواصلة المسيرة المباركة, بإرادة وعزيمة أكبر، ولن يتأتى تحقيق ذلك, إلا بتكاتف الجهود وتكاملها لما فيه مصلحة الجميع".
الرسالة أو بالأحرى الرسائل الوطنية التي أراد جلالة عاهل البلاد المفدى إيصالها إلى مجلس عُمان والحكومة وكل مواطن، هي موحدة الاتجاه نحو المحافظة على المكتسبات والمنجزات للنهضة المباركة، وأهمية تضافر الجهود وتكاتفها، والعمل بروح الفريق الواحد من أجل مواصلة مسيرة البناء والتنمية الشاملة والمستدامة، والاستمرار في إضافة لبنات جديدة في بناء الوطن الشامخ، حيث تحديات المرحلة ومقتضياتها تستدعي توافر الإرادة والعزم والصبر والجد والاجتهاد.
إن أسلوب التذكير الذي استخدمه جلالته ـ أعزه الله ـ لأعضاء مجلس عُمان بجناحيه "الدولة والشورى" على وجه الخصوص كان واضحًا لحفز الهمم ومضاعفة الجهود، وكتابة أحرف جديدة على صدر الإرادة والعزيمة، لا نستلهم فيها إرادة مجلس عُمان خلال فترته الخامسة فحسب، وإنما نستلهم فيها أيضًا إرادة البدايات وعزيمتها ولكوكبتها الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية البناء، حيث قال جلالته: "ولقد تابعنا عن كثبِ أعمال مجلس عُمان بشقيه مجلس الشورى ومجلس الدولة, في الفترات الماضية, مُثمنين الجُهد الذي بذله المجلس خلالها, مما كان له الأثر الملموس, للإسهام في دفع مسيرة التنمية الشاملة, قُدمًا نحو مزيدِ من التطور والنماء".
إن الإرادة حين تسبق مفهوم القوة تعطينا أن العقل الذي يقف وراء كل إرادة هو المعيار الأهم في توجيه القوة، وطوال مسيرة النهضة المباركة كان العقل المبدع وراء النجاح الباهر الذي تتبدى تفاصيله رأسيًّا وأفقيًّا، طولًا وعرضًا على امتداد الوطن. ولذلك، فإن إرادة التوجيه لا تزال حاضرة بعنفوانها ووجدانها تصوغ مفردات التنمية الشاملة، وتبني الإنسان العماني الذي جعلته النهضة المباركة هدفًا وغايةً لها.
اليوم ومن حصن الشموخ ترسل إرادة التوجيه فيوضها السامية والأبوية، واضعةً تحديات المرحلة على بساط الحقيقة والصراحة والوضوح ودون أدنى مواربة بأهمية التحضير الجيد والاستعداد لها، لتحقيق ما تتطلع إليه القيادة الحكيمة والمواطن. فالرسالة لا تحتاج إلى عناء جهد لفهمها من شدة وضوحها "أعضاء مجلس عمان الكرام".
إن اختزال المعاني وحصر الإرادة في الخاص الوطني والشأن المحلي الداخلي، وفي جوانب التنمية، له دلالاته ومراميه، إلى جانب التنصيص على قوله تعالى "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها..." وتكرار الآية في حفل الافتتاح، تعبر عن إمكانات سياسية وإنسانية فذة لدى جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ كانت هي ـ ولا تزال ـ السبب في نجاحه الباهر في قطع أشواط تاريخية مهمة نحو تسجيل سمات استثنائية للزعيم المصلح والقائد الفذ ورجل الدولة ذي الطراز الرفيع، حيث تتفاعل داخله أحلام قائد تسامى بعنفوانه ورباطة جأشه على المعضلات والتحديات لينشئ دولة عصرية يشار لها دوليًّا بالبنان، وزعيم نصََّبته التجارب الإنسانية الفريدة رجلًا للسلام والاستقرار في المنطقة والعالم بأسره، وتلك مرتبة إنسانية لا تمنح إلا للزعماء التاريخيين الملهمين الذين يؤمنون بأنهم أصحاب رسالات سامية وليس مناصب فانية.
إننا نقف بكل شموخ أمام قائد غرس شجرة الوطن وسقاها من عرقه وإخلاصه ووفائه، ويكافح لكي تظل هذه الشجرة وارفة الظلال يتفيأ أبناء عُمان ظلالها، تؤتي أكلها كل حين، وهي أيضًا ثمرة من ثمار العقل الذي يقف وراء إرادة التوجيه.