[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
ونحن نحتفل بالعيد الوطني الخامس والأربعين المجيد، يحق لنا أن نعيد التذكير بالتحديات التي صاحبت البدايات الأولى للتجربة العمانية منذ بزوغ فجرها في الثالث والعشرين من يوليو عام 1970م، ونجدد التأكيد على أنها ستظل تجربة حضارية فريدة في نوعها، بالنظر إلى عوامل الزمان والمكان والظروف والتحديات غير المتوقعة.
نعم، هي تجربة وجدت لتبقى كالكتاب المفتوح ممثلة في معالم حضارية وتنمية عمرانية، وعلاقات دولية تؤمن علاقات حميمية مع كل البلدان والشعوب، ومشاركات مع كل المحافل والمنتديات العالمية على مستوى من الرقي ينهض على مناكب رصيد حضاري مستمد من تاريخ عُمان الحافل وتراثها المترع وسمات شخصيتها التي لا تخطئها العين.
لقد كان اختيار عامل النجاح الذي دلل على الفكر الحيوي المتجدد لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ حاسمًا في وضع أهداف التنمية للنهضة المباركة، وفي رسم ملامح الدولة العصرية التي أرادها قائد هذه المسيرة المباركة، الأمر الذي أعطى تجربة فريدة في التاريخ المعاصر في كيفية بناء الإنسان؛ ومن ثم بناء الدولة العصرية، ذلك أن إقامة أركانها لم تكن بالأمر السهل، وإنما اكتنفتها صعاب في ظل قلة الممكنات والمُعِينات في البداية، ولكن حين تكون الإرادة أكبر، والعزيمة أعلى، والنيات أصدق، فإن المستحيلات تقزم، وتكون الهمم أدعى إلى بناء جبهة داخلية متراصة موحدة خلف هدف واحد وهو البناء العصري للوطن والمواطن، هذه الجبهة كان لها ما يميزها ويعطيها فرادة في العمل الوطني، حيث جاءت فرادتها من الرغبة الصادقة في إشراك الجميع ذكورًا وإناثًا في البناء، وعدم تغليب أحد هذين الجناحين للمجتمع على الآخر، ما أوجد تناغمًا عاليًا، وتجاوبًا وانسجامًا كبيرين، وشكل رافعة سهلت حرية الحركة لتختزل دقائق الزمن.
قد لا تكون المقارنة قادرة على ملاحقة كل الحقائق التي تتدحرج على وقع الأداء وحجم المنجز على امتداد الوطن واتساعه، لكن الوقوف عليها ـ ولو بعضًا منها ـ أمر يستحق إعادة التذكير به ليس من أجل المحاججة، وإنما من أجل التدليل على حجم التحدي وعمق الفكر وشكيمة الإرادة وتمترسهما عند عملية البناء والتنمية المنشودة. ‏وإزاء ذلك، قد لا تسعفنا الكلمات لتبيان دور العقل الواعي والفكر المبدع في حجم المنجز على صعيد العمل الوطني ومراحله المتوالية، وبواعثهما لقوة التأثير للنهج السياسي الحكيم في الداخل والخارج، ودوره ليس في ملء الفراغ، بل في إرساء قواعد عمل سياسي وإنساني جديدة تحتكم إليها الأمم في حل المشكلات والقضايا، والملفات الشائكة؛ قواعد ترتكز على أسس ومبادئ وقيم إنسانية متحضرة تستمد قوتها وتأثيرها ودورها من إرث راسخ وخالد وحكيم، ينشد الخير والوئام والسلام والاستقرار من خلال الحوار الهادئ والبناء والاحترام المتبادل، وقبول الآخر وتبادل المنافع واحترام المصالح المشتركة.
إن السياسة المتزنة والهادئة التي انتهجتها السلطنة هي أحد مداميك النجاح الشامل والناجز، ما مكَّنها من كسر جبال جليد الكثير من القضايا الخلافية الساخنة، وتجسير الهوة بين الأفرقاء، فاستحقت بلادنا بذلك شهادة احترام وتقدير عن جدارة واستحقاق. ولعل الملف النووي الإيراني والنجاح في جمع القوى الدولية والجمهورية الإسلامية الإيرانية على طاولة واحدة، وتقريب وجهات النظر لينتج فيما بعد عن اتفاق بين إيران والمجموعة الدولية المعروفة بـ"5+1"، ينهي المواجهة ونذر حرب لن تبقي ولن تذر، هو إحدى شهادات الاستحقاق والتقدير، فضلًا عن المساعي الحميدة والخيِّرة التي تقودها السياسة العمانية مع الأطراف الدولية والإقليمية والعربية والخليجية لإيجاد الظروف المواتية والمناخات الملائمة لحل الأزمتين السورية واليمنية، وتشجيع الأطراف السورية واليمنية على الحوار ونبذ الاختلاف، وعلى الجمع بينهما على طاولة واحدة، حفاظًا على وحدة الدولتين السورية واليمنية وحقنًا لدماء الأشقاء، وتجنيب الدولتين مزيدًا من الدمار والخراب.
إن ما حققته النهضة المباركة من تقدم على كافة الأصعدة، وما رسخته فلسفة وحكمة القيادة الماثلة في شخص جلالة السلطان المعظم ـ أبقاه الله ـ من مبادئ ثابتة في العمل الوطني والتنمية الشاملة، والتأكيد على أن الدولة العمانية العصرية هي الغاية، وأن الإنسان العماني هو الهدف، وترسيخ دولة المؤسسات لتكون عُمان صاحبة القرار الوطني المستقل، كل ذلك جعل من عُمان قلعة شامخة بشموخ جبالها وعزم إنسانها وطهارة أرضها. ولا يسعنا في الختام إلا أن نزجي آيات التهاني والتبريكات إلى المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بمناسبة العيد الوطني الخامس والأربعين المجيد، مجددين العهد والولاء خلف قيادته الحكيمة، سائلين المولى جلَّت قدرته أن يعيد المناسبة وأمثالها أعوامًا عديدةً وأزمنةً مديدةً، ويسبل عليه شآبيب نعمائه، وألبسة الصحة والعافية، وعُمان ترفل في خير ووئام واستقرار وسلام.. إنه سميع مجيب.