[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
على وفق الهوامش التي ترافق الموازنة العُمانية للعام الجديد 2014، يعد الحد من ارتفاع الإنفاق العام واحدًا من الضوابط الأساسية التي تحكم هذه الموازنة، والاحكام هنا بالتفسير الآلي الدقيق يعني الصرف المالي المعتدل المستند إلى معايير الترشيد والتقنين المرتبط بحجم الكلفة المالية المطلوبة لإدامة هذا المرفق أو ذاك، والسؤال الذي يستحق الطرح هنا، لماذا هذا الضابط بالصيغة الدالة عليه والخاصة بموازنة 2014.
إن الإجابة على ذلك تتطلب أولًا المرور بالمقتضيات الوطنية للخطط التنموية المعتمدة بما تضع من أولويات لأهداف التنمية البشرية المستدامة، أي التنمية التي ترفع من مستوى البناء الآنساني والتنموي العام للمواطن العُماني، ضمن ما يشمل تلبية كل الخدمات العامة من صحة وتعليم ومتطلبات بلدية وترفيه مشروع.
إن أي بناء من هذا النوع لا يكون مجديًا إذا لم يحرص على ما يصون كفاءة الأداء، وهذه الكفاءة بدورها لن تكون ذات توجهات صحيحة إذا لم تعتمد على ترشيد الإنفاق العام، وبمعنى مضاف الاعتدال في الإنفاق الحكومي، وبذلك تكون هذه السياسة (الإنفاقية) قد رسخت في المؤسسات الحكومية توجهًا مضمونًا لا بدّ أن يعطي نتائج ضامنة للمستقبل أيضًا، فضلًا عن أهميته في تكوين سياقات صرف عادلة.
وبالاتجاه نفسه، إن الإسراف المفتوح قد يتحول إلى ثغرة تتسلل منها ظواهر الفساد الإداري والمالي خاصة إذا برزت هناك قناعة ما أن المال متوفر بصورة أكثر من الحاجة، مع العلم أن المال الكثير يغري في صناعة ثغرات الفساد في إطار المثل الذي يقول (المال السائب يعلم السرقة).
وبالاتجاه الموازي لهذا الطرح، إن الحد من الإنفاق العام يعني بالضرورة توفير مبالغ لا بأس بها من حصة الموازنة ومداورتها للسنة المالية المقبلة، وبذلك تكون قد هيأت رصيدًا ماليًّا مدخرًا لها، الأمر الذي من شأنه أن يقلل من كلفة العجز المصاحب لموازنة 2014، فضلًا عن انعكاساته الإيجابية المؤكدة على الموازنة المالية للعام القادم 2015 في انخفاض العجز إلا إذا كانت هناك توجهات لتوسيع الكلفة تحت ضغط ضرورات تنموية وإدارية معنية.
ولأن سلطنة عُمان جزءًا حيويًّا من المنظومة الإقليمية والدولية وهي تتابع ما يجري حولها، وكذلك في العالم فإنها بهذا لا يمكن لها إلا أن تكون في سياق ما يشهده المجتمع الدولي في الوقت الحاضر من دعوات إلى ترشيد الإنفاق العام الذي أصبح الآن أحد المفاتيح الضرورية لتنشيط القدرات الاقتصادية والإدارية لمواجهة زحام تعقد الحاجات العامة للمواطنين في أي بلد من بلدان العالم، مع ملاحظة لا يمكن تجاوزها وتتلخص بإجماع كل خبراء التنمية العاملين بالأمم المتحدة الذين يؤكدون بأن الترشيد في الإنفاق العام تحول إلى مسؤولية على قدر من الأهمية التنفيذية وانعكس في إجراءات ميدانية طبقتها العديد من دول العالم بما فيها الدول الصناعية المتقدمة التي كانت إلى عهد بعيد (تفتخر) بالرفاهية المفتوحة التي لا تقيم وزنًا ضاغطًا للإنفاق.
إن العمل باتجاه الحد من ارتفاع الإنفاق العام لا يقتصر على ما تعتمده المؤسسات الحكومية إنما هو أيضًا من مسؤولية المواطن في استيعاب أهمية ذلك في السلوك اليومي للأفراد والعوائل عمومًا، وبذلك تتأسس شراكة فاعلة على هذا الطريق.