[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
لا يزال الاعتقاد السوري حتى هذه اللحظة، بإمكانية رؤية تحولات إيجابية في المواقف من الإرهاب، سواء على الصعيد الأوروبي أو على الصعيد الأميركي ومن يندرج تحت العباءة الأميركية على خلفية ما أعلنته الحكومة الفرنسية مؤخرًا عن وقوع هجمات إرهابية منسقة في العاصمة باريس طالت مواطنين فرنسيين، بحيث تشمل هذه التحولات إجراء مراجعة سريعة لسياساتها الرعناء، والتوقف عن دعم الإرهاب بمختلف مسمياته وفي مقدمته إرهاب تنظيم القاعدة. إلا أن الحاصل هو مخالف تمامًا للاعتقاد السوري، بل يسير في صورة مغايرة ومعاكسة، وبوتائر أسرع نحو محاولة ترميم ما أسقطه التدخل العسكري الروسي ضد الإرهاب في سوريا من جدران، وسد ما أحدثه هذا التدخل من ثقوب في الاستراتيجية الأميركية وتحالفها الستيني، كاشفًا العلاقة العضوية القائمة بين التحالف الستيني والإرهاب وتنظيماته، وفائض النفاق بحديثهم الكاذب والممجوج عن ضرب بؤر الإرهاب في سوريا والعراق، وليس إسقاط تركيا للطائرة الروسية من نوع سوخوي 24 على الأراضي السورية حسب التأكيدات الروسية إلا دليلًا على هذه العلاقة العضوية؛ لأن إسقاط الطائرة لا يعني سوى الدفاع عن تنظيمات الإرهاب التي تقتل الشعب السوري وتدمر البنى التحتية لبلاده والتي (أي التنظيمات الإرهابية) كانت تستهدفها الطائرة.
منذ انطلاق مؤتمر فيينا الأول والثاني وما نتج عنهما مما وصف بتوافقات على الحل السياسي بين المجتمعين، لم تَحِدْ بوصلة معسكر التآمر والعدوان على سوريا عن الهدف، وهو مواصلة استمرار استنزاف الدولة السورية وجيشها وتهجير شعبها، وتدمير بنيتها الأساسية، وتسخير الإمكانات كافة لضمان استمرار ذلك، والتخلص أو تعطيل أي معوقات تحول دون ذلك، ويأتي في مقدمتها الاستراتيجية الروسية بجناحيها الميداني بضرب بؤر الإرهاب وتنظيف الأرض السورية، والسياسي بتقريب الأفرقاء السوريين من طاولة الحوار، والبحث في هيكلة النظام وتركيبته بما يحقق الوحدة الوطنية ويصون سيادة سوريا واستقلالها ووحدتها الاجتماعية والجغرافية.
وتحت لافتة مؤتمر فيينا الثاني المعنونة بالحل السياسي، يستكمل معسكر التآمر والعدوان ما بدأه من مناورات ومراوغات مع مواصلة الحشد للإرهاب، والعمل على إلباسه لبوس "الاعتدال" والدعاية على أنه "المعارضة" التي ستتحاور مع وفد الحكومة في قادم المؤتمرات والحوارات. لكن هذه "المعارضة" بالنظر إليها، طعمها ولونها ورائحتها، ولحمها وشحمها وعظمها ونخاعها هي تنظيم القاعدة الإرهابي وأخواته، حيث يجري تعويم هذا الإرهاب القاعدي ممثلًا بذراعه المسماة "جبهة النصرة" وأخواتها الأخريات كـ"أحرار الشام وجيش الإسلام ومكونات جيش الفتح" وغيرها.
فالمؤتمرات التي عقدت وتعقد من أجل توحيد تنظيمات الإرهاب تحت العنوان العريض "توحيد المعارضة"، بالإضافة إلى اللقاءات الثنائية بين أطراف معسكر التآمر والعدوان، لم يكن شغلها الشاغل سوى تعويم إرهاب القاعدة، ومحاولة دمجه في مسميات جديدة وتقديمه على أنه "المعارضة المعتدلة"، فما يسمى "جبهة النصرة" كما هو معروف عنها أنها مصنفة أمميًّا على أنها تنظيم إرهابي وفق القرار 2178 الذي يحظر التعامل معها ويدعو لغلق الحدود أمام عناصرها. وفي الاتجاه ذاته، دعا خالد خوجة رئيس ما يسمى "الائتلاف" السوري المعارض أمس الأول "جبهة النصرة" إلى فك ارتباطها مع تنظيم القاعدة إثر الاعتداءات الدموية التي شهدتها دول عدة في الأسابيع الأخيرة. وقال خوجة في مؤتمر صحفي عقده في اسطنبول إن "الاعتداء الأخير في مالي تبناه تنظيم القاعدة، وفي هذا الإطار أجدد دعوتي لجبهة النصرة أن تعلن فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، وأدعو "الثوار" السوريين "الشرفاء" في هذا التنظيم إلى العودة إلى المظلة الواسعة للثورة السورية وتجنيب البلاد المزيد من الدمار". والواضح من كلمات خوجة خشيته على هذا التنظيم الإرهابي، فهو يحاول تعويم إرهابه وإبعاده من طائلة القرار الأممي 2178 عبر فك ارتباط "جبهة النصرة" بتنظيم القاعدة، فضلًا عن أنه إقرار ضمني بأن ما تمارسه "النصرة" على الأرض السورية هو إرهاب بحق الشعب السوري وبحق القوات الأمنية والبنية الأساسية السورية، وهو إرهاب مجرَّم ومدان لارتباط "جبهة النصرة" بالقاعدة، ولكن بمجرد أن تفك ارتباطها تصبح جرائمها الإرهابية شرعية وقانونية؛ لأن جرائمها الإرهابية هذه ستكون تحت مظلة "المعارضة المعتدلة".
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا يصر معسكر التآمر والعدوان على سوريا تعويم إرهاب القاعدة وتقديمه على أنه معارضة "معتدلة"؟ وكيف يتأتى لتنظيم إرهابي عناصره شيشانية وباكستانية وأوزبكية وأفغانية وأردنية ومغاربية وخليجية أن يصنف على أنه معارضة سورية و"معتدلة"؟ ولماذا يتمسك ما يسمى "الائتلاف" السوري المعارض بتنظيم إرهابي تابع للقاعدة، ويعده معارضة، في حين كلاهما ولاؤه للأسياد المنتجين والداعمين والممولين؟ ليست هناك إجابة أكثر من أن هذه المحاولات تأتي في سياق إضاعة الوقت وتمييع الجهود السياسية نحو الحل لإطالة عمر الإرهاب لمواصلة استنزاف الدولة السورية وقواها ومقدراتها وتهجير شعبها، ومن وراء ذلك إفشال الاستراتيجية الروسية واستنزاف حلفاء سوريا، مع ما يتطلبه ذلك من الخروج من دائرة الملاحقة والإدانة بالقرار الأممي 2178، بالإضافة إلى تأكيد الثابت عن علاقة المعارضة المصنفة بأنها "سياسية" والممثلة بما يسمى "الائتلاف" بالتنظيمات الإرهابية التي تعد "جبهة النصرة" ذراعها القوية بجانب "داعش".