[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2015/09/sayed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]السيد عبد العليم[/author]
في ظل التراجع الكبير في اسعار النفط، وما ترتب على ذلك من انخفاض في ايرادات الحكومة حيث يمثل النفط اهم مصادر الدخل القومي، وفي ظل التوقعات باستمرار هذا الانخفاض في المستقبل المنظور، يكون هناك توقعات باحتمالية تفكير الحكومة في اتخاذ تدابير واجراءات معينة يمكن ان يكون لها تأثيرها السلبي المباشر وغير المباشر على دخول الأفراد. يأتي هذا على الرغم من ان الحكومة لم تفصح عن أي شيء في هذا السياق حتى الآن وكأن الأوضاع تسير في مجراها الطبيعي، ولا يوجد أي انعكاسات لتلك التوقعات والمخاوف المصاحبة لها.
وفي ظل تلك التوقعات والهواجس، يكون على المواطن التفكير في هذا الأمر واخذه مأخذ الجد، والاستعداد لحدوث مثل هذه التوقعات. والأمر في النهاية ليس فيه ضرر بالمواطن سواء وقع المحذور أو لم يقع. وبما ان الامر يتعلق بالتأثير على دخل المواطن، يكون امام المواطن والوضع هكذا اجراءان مهمان: يتمثل الاول في ترشيد نفقاته، اما الثاني فهو البحث عن زيادة دخله لتعويض ما يمكن ان يخسره جراء مثل تلك الاجراءات والتدابير الحكومية.
أولا: ترشيد النفقات
بشكل عام ينبغي على المواطن ان يعمل جديا على ترشيد نفقاته والتحسب للأسوأ دائما، حتى اذا حدث ذلك التوقع يكون قد اخذ حذره واستعد له منذ وقت مبكر، فلا يفاجأ ويرتبك وربما تنقلب دفة حياته، بل يكون قد تهيأ للتعاطي معه بشكل عقلاني وواقعي. أي على المواطن ان يعيد تحديد اولوياته من حيث الأهم والأكثر اهمية والمهم وقليل الاهمية. ويبدأ بحذف بنود من احتياجاته غير الضرورية ثم التفكير في ترشيد البنود الاخرى الضرورية.
ترشيد استخدام السيارة وتوفير الوقود
ليس من المبالغة القول انه هناك فرط كبير في استخدام السيارة فيما هو مهم وغير مهم، فنحن نجد افرادا وقد ادمنوا استخدام السيارة في كل حركة حتى لو كانت الذهاب الى المسجد المجاور للصلاة او الى الملعب المجاور للعب الكرة والرياضة. كما نجد البعض وخاصة في فئة الشباب يستخدمون سيارات الدفع الرباعي والسيارات الرياضية بغير داع وبدون حاجة. وكثيرا ما نرى موظفا أو موظفة ذاهبة الى عملها بمفردها وهي تستقل سيارة دفع رباعي لتزيد بها من الزحام في الطريق في وقت الذهاب في الصباح او ساعة الذروة عند العودة من الدوام بعد الظهر فضلا عن الزحام في اماكن الوقوف. والكل يعلم مدى الاستهلاك الكبير للوقود من قبل مثل تلك السيارات وبالتالي التأثير السلبي على ميزانية المواطن، هذا في ظل اجواء حركة مرورية صار يخيم عليها الزحام في الطرق والشوارع بما يجعل استخدام مثل هذه النوعية من السيارات غير مجدية ولا مفيدة، فإشارات المرور والدوارات الكثيرة فضلا عن تحديد السرعة يجعل من انطلاق هذه السيارات والجري بها امر غير مجد ولا حتى ممكنا. ومن ثم تكون الحاجة هنا الى سيارات صغيرة قليلة السي سي بما لا يتجاوز 1600 سي سي حيث تكون هذه الفئة مناسبة في مثل اغلب تلك الحالات بما تمثله من استهلاك مقتصد في الوقود وبما تمثله من قدرتها على الحركة والوقوف وعدم الزحام، ويكون للسيارات الاخرى الاستخدامات الضرورية لها.
ترشيد استهلاك الكهرباء
منذ سنوات كنت اسكن في شقة مع مجموعة من الشباب، وكان بعض من هؤلاء الشباب لا يغلقون جهاز التكييف الهوائي تقريبا على الاطلاق، حتى في الشتاء سواء كانوا داخل السكن او خارجه أي ان جهاز التكييف يعمل بدون توقف. وكذلك الحال بالنسبة للاضاءات كلها سواء في الليل او في ضوء شمس النهار. ومثل هذا الامر ينبغي اعادة النظر فيه، ويكون التفكير في الاستخدام المطلوب فقط لتلك الخدمات وعدم الافراط والتجاوز في استخدامها لأنها تضر بالمواطن من خلال دفعه فاتورة كهرباء مرتفعة من ناحية ومن ناحية تضر بالدولة فيما تتحمله من اعباء تلك الخدمة.
التوقف عن هدر الطعام
في الحقيقة هناك كثير من الأسر التي تهدر كميات كبيرة من الطعام، ويكفي القاء نظرة على صناديق المخلفات. ويزداد هذا الهدر في الأعراس وعقد القران وغير ذلك من المناسبات العائلية والاجتماعية، الأمر الذي يجب اعادة النظر فيه وترشيده، لأن هدر تلك الكميات من الطعام والقاء كميات كبيرة منها في المخلفات يقع في باب عدم شكر النعمة التي تكون عاقبته الحسرة والخسران.
هدر الأدوية
عند المرض والذهاب إلى الطبيب، يتم في اغلب الحالات صرف ما يعرف بالعلبة (البوكس) ويكون بها اقراص كثيرة من الدواء التي يتناول المريض القليل منها ثم يترك باقي اقراص العلبة، وقد كلفت هذه العلبة من الدواء اموالا، في وقت لا يتم استخدامها الاستخدام الصحيح والامثل. ويكون الأمر هنا متعلقا اكثر بالطبيب الذي عليه ان يكتب عدد اقراص محدود في وصفته العلاجية، فتقل فاتورة العلاج على الفرد. بل انه في بعض الحالات يصرف المريض ادوية ثم يأتي بعد وقت قليل للطبيب للمتابعة فيطلب منه الطبيب التوقف عن تناول تلك الادوية (والتي يكون قد فتح علبتها وتناول منها القليل فقط) ويكتب له ادوية اخرى. كما ان هناك ايضا بعض المرضى الذين يحصلون على أدوية من المستشفيات ـ الحكومية خاصة ـ ثم لا يستخدمونها على الاطلاق، بما يمثل هدرا بالغ الخطورة على كافة الأصعدة.
ثانيا: تحسين مستوى الدخل
تتطلب المرحلة الراهنة من المواطن السعي الجاد لتحسين مستوى دخله، وذلك من خلال الحصول على عمل اضافي. فكثير من الموظفين يعملون دواما واحدا يبدا في الصباح وينتهي بعد الظهر. ويكون امام الموظف أو العامل ـ كثير منهم شباب في مقتبل العمر ـ وقت فراغ يبدأ من العصر حتى بعد العاشرة مساء. وهنا يجب التفكير الجدي في الاستفادة بهذا الوقت، وذلك من خلال التوجه إلى تعلم حرف مفيدة ومربحة. وفي نفس الوقت يجب توافر معاهد تدريب مهني بشكل حقيقي تقوم على تعليم تلك المهن. ولتكن البداية مثلا بحرفة خياطة الملابس، فهي حرفة تحتاج التعلم وهي ليست بالصعبة أو المستحيلة ولا تحتاج ممارستها لرأسمال كبير. بل كل ما تتطلبه كما يعلم الكثيرون غرفة وماكينتي خياطة وتعتمد في اساسها على اتقان الصنعة والسمعة الطيبة. وكذلك مهن مثل اصلاح الاجهزة الكهربائية، والأجهزة الالكترونية والتبريد والتكييف والسباكة والنجارة وغيرها، كمرحلة اولى. ثم يأتي بعد ذلك تعلم مهن مثل الحلاقة وتصليح السيارات وغيرها. فلماذا لا تكون هذه مهن يشتغلها الموظف في وقت فراغه بعد انتهاء دوامه الرسمي، كما هو حال كثير من سائقي سيارات الاجرة على سبيل المثال؟ فكثير من هؤلاء موظفين، يعملون بعد نهاية دوامهم الرسمي لتحسين احوالهم المادية.
ان مثل هذه الاعمال والقيام بها ليست كما يرى البعض عبئا ثقيلا وتقييدا للحرية، بل ان من يزاولها ويمهر فيها يجد فيها لذة ويشعر بأنه يعمل شيء ذات قيمة تزيد من احترامه لنفسه ومن احترام وتقدير الناس له وفي نفس الوقت تحسن من مستوى معيشته. بل انه حال مارس الفرد مثل هذه المهن وتذوق طعم النجاح فيها وادرك الفرق بينها وبين الوظيفة الحكومية وما تتطلبه من ضوابط وقيود من قبيل مواعيد الانصراف والحضور وعدد ساعات العمل والادارة وغيرها، فإنه قد يرى في تلك المهنة نواة يتوسع فيها وينطلق منها إلى مشروع خاص صغير، فبدل المحل المحل الصغير تصبح ورشة أو مصنعا صغيرا. وعندئذ قد يعزم على التفرغ لمشروعه هذا ويفكر مليا في الوظيفة الحكومية بشكل قد يدفعه الى الانسحاب منها، ومن ثم يخف الضغط على الوظائف الحكومية. فضلا عن انه في نفس الوقت يجد فيها متنفسا يقضي فيها وقتا بدلا من التفكير كل يوم في كيف يقضي وقته بعد الدوام والذي غالبا ما يقضيه فيما لا يعود عليه ولا على المجتمع بالنفع. فذلك العمل الاضافي يكون افضل من ان يقضي الفرد هذا الوقت فيما قد يأتي عليه وعلى المجتمع بأضرار تتمثل في معرفته واقترانه بالصحبة السيئة التي قد تدفعه الى سلوكيات يندم عليها هو واسرته ومجتمعه.
فالمصلحة الشخصية والمجتمعية تقتضي تضافر الجهود والتعاون من الجميع من حيث ترشيد نفقات الفرد والاسرة من ناحية ومن حيث تحصيل عمل اضافي، ليعود بذلك النفع على الفرد والمجتمع. وفي الحقيقة، فإننا مطالبون بتحقيق ذلك ليس لمقتضيات المرحلة فحسب، بل لان هذا هو السلوك المفترض ان يتحلى به المواطن على الدوام، وهو امر موجود في اغلب البلدان التي سبقتنا وتقدمت علينا. وفي النهاية فإن معيار تقدم البلد يقاس بسلوكيات أبنائها وكيفية استغلالهم عنصر الوقت. والفرصة مهيئة لذلك الآن، فلتكن البداية والانطلاق نحو غد افضل لهذا البلد الفتي الواعد الذي ينهض وينمو بسواعد أبنائه الأوفياء.

السيد عبد العليم