اعلام متزن، اعلامي واقعي، اعلامي له رسالة واحدة، اعلام منضبط ، اعلام ولد ونشأ على سياسة معينة، اعلام تنموي، ومع كل ذلك وغيره، تبرز أهمية الإعلام في المرحلة القادمة ليكون اكثر تفاعلا وتنوعا وبشكل لافت في أوقات الأزمات؛ التي تحتاج دائما إلى الإدارة الشاملة والتكاملية بين كافة الجهات من أجل تحقيق الأهداف الإستراتيجية للاعلام الواعد الجديد.
أجزم بحاجة إعلامنا للكفاءة والقدرات، واجزم باننا قادرون على تحقيق الاهداف لما نصبوا اليه من الاعلام بما يدعم التوجهات السامية والجهود الحكومية والدبلوماسية العمانية، ويوفر ارضية قوية للانطلاق للامام لمواجهة المخاطر المتنوعة التي يمكن ان تتعرض لها اي دولة لأسباب مختلفة..!
الاهتمام بالجانب الإعلامي في غاية الاهمية؛ وكثير من الدول المتقدمة تحرص على المواءمة بين الاعلام وجهات اخرى، وإنشاء إدارات إعلامية متكاملة قادرة على فلترة التحليلات والأخبار والصور وتنقيتها، ورؤساء دول كبرى لا تمنع الإعلاميين من مرافقتها وفتح الابواب لهم للحصول على المعلومة، كما تعقد دول متقدمة صفقات خاصة مع بعض القنوات الفضائية لتحقيق اهدافها وحملاتها الاعلامية التي لا تتعارض مع اهدافها المرسومة او كأداة للوصول الى غرض محدد.
وبرغم حرية الإعلام؛ وانفتاحه؛ إلا أن الرأي العام اصبح واعيا واكثر قدرة على معرفة الامور ومتابعة الاحداث عبر الاعلام الجديد (شبكات التواصل الاجتماعي) فلا يمكن ان تمر كذبة امتلاك العراق أسلحة نووية مدمرة تهدد الولايات المتحدة الأميركية هذه المرة.
فالإعلام بكل قنواته وأدواته واسلحته (صحافة واذاعة وتلفزيون وغيرها) يملك قدرة على الاضرار لا تقل عن الجيوش والأسلحة الفتاكة ولكن بوسائل مختلفة، وهو القادر على تعزيز التكاتف ووحدة الصف في الازمات، وتكريس الأمن في المجتمعات ، وبرغم من حرية الإعلام في المجتمعات الغربية، الا انه يبقى مرهونا بقوانين مجتمعية وأمنية صارمة لا يمكن تجاوزها أو الالتفاف عليها. وهو ما نحتاجه في المرحلة القادمة.
هناك فرق بين الرقابة الإعلامية وتنفيذ القانون، فالرسالة الاعلامية جوهرها واحد في كل الدول وهي تتوافق بالضرورة مع الإستراتيجية الأمنية لكل دولة. مع الاحتفاظ بالدقة المتناهية في مضمون المادة الإعلامية، خاصة في أوقات الحروب والأزمات.
خلال الفترة الماضية الماضية، ظهرت بعض الرسائل والصور والفيديوهات الإعلامية المشوهة لافراد او للتاريخ في مواقع التواصل الاجتماعي والمتعارضة مع بعض القوانين الحقوقية الدولية، وهو ما يستوجب التدخل السريع لمعالجتها. بعض الرسائل بُثت لاهداف معروفة، والاخر عكس ذلك، لذا ما أحوجنا إلى تصحيح مسار الإعلام المؤسسي وفق رؤية استراتيجية وطنية شاملة تصب في استراتيجية عمان 2040م، وبحيث تغطي جميع الجوانب المهمة خاصة ما يتعلق بأمن المجتمع والوحدة الوطنية وكيفية التعامل مع المتغيرات والاحداث داخليا وخارجيا، مع الاعتماد على الكفاءات المتخصصة.
فاذا عرف الداء وجد العلاج، واذا عرف السبب بطل العجب، وبمعرفة الأهداف يمكن ايجاد الطريق للوصول اليها، عبر منهجية واقعية ومدروسة والاستفادة من مراكز الدراسات والمفكرين والمثقفين والكتاب والصحفيين واهل الخبرة والاختصاص لبناء مدرسة اعلامية اكثر قدرة على التعامل مع احتياجات المرحلة القادمة.
وفي هذا الوقت لا يمكن للصحافة أن تنهض بأدوارها في ظل غياب قانون ينظم المهنة بشكل حديث يحفظ للعاملين فيها حقوقهم ويسهل لهم تأدية مهامهم. فقانون الإعلام القديم يحتاج لمراجعة وتعديل من قبل المجالس التشريعية وجمعيات المجتمع المدني (الصحافة والكتاب) لمعرفة الحقوق والواجبات خاصة بعد ظهور وتطور الاعلام الالكتروني.
ولكي تكون لدينا حرية تعبير أو حرية إعلامية فعالة ومسؤولة، من الضروري ان يكون لدينا قانون جديد يحمي هذه الحرية ويحمي من يستخدمها ويحمي الوطن ايضا ضد ايه تجاوزات تحت اية ظروف.
لا شك في أن ثورة الاتصالات غيّرت حال الاعلام القديم والمجتمعات. لذا فعلينا بعد الاشادة السامية المباركة بدور الاعلام ، من المهم جدا أن يحافظ الإعلام العماني على اتزانه المعهود ، هذه قيمة لا ينبغي التنازل عنها، لكن هذا لا يعني ان يقبع الإعلام في خانة الدفاع فقط ، او ان نستمر في استخدام المفردات ذاتها. نحن في حاجة إلى مخاطبة الداخل وهذا جزء من دورنا، لكننا في حاجة كذلك الى مخاطبة الخارج بصوت وصورة تلجم الرسائل المغرضة والهجمات غير المبررة.
فالواقع يشهد بأن هذا هو أحد أفضل الأوقات بعد استحداث هيكل جديد لوزارة الاعلام؟ فالمسؤولية اليوم أكثر مما مضى ملقاة على عواتق الكتاب والصحفيين من أجل قيادة الرأي العام والمصلحة العليا ليدوم الوطن شامخاً عزيزاً في الحاضر والمستقبل كما كان على امتداد الاعوام الخمسة والاربعين الماضية ولابد من محاربة الإشاعات واشاعة روح المحبة والتعاون والحوار والالتزام بآدابه واحترام الآخر، والحرص على نزاهة اللسان والقلم ومحاربة الدعوات الهدامة، من عنصرية وعرقية وتطرف وغيرها. وعلى الاخرون في الخارج الالتزام بذلك.. والله من وراء القصد.

د. احمد بن سالم باتميرة
[email protected]