القاهرة ـ (العمانية):
"التناص التاريخي في شعر أبي همام" عنوان دراسة نقدية جديدة صدرت للدكتور علاء عبد المنعم أستاذ الأدب والنقد في جامعة عين شمس بالقاهرة.
ويشير الناقد إلى أن العقلية العربية توعّت منذ القدم إلى إقامة علاقة تعاضد بين الشعر من جانب والأسطورة ومفرداتها المشدودة إلى بلاغة الإغراب وجماليات الإدهاش من جانب آخر، حيث توزعت الرؤى المفسرة لعملية الإنتاج الشعري، وفي خضم هذه التفسيرات المستندة إلى الغيبيات كان للتناص نصيب في تلك المنطقة البينية المجسرة للمسافة بين الواقعي والأسطوري.
ويضيف إن مما شاع أن العرب كانت تشترط على الشاعر الراغب في إيصال صوته للسياق المحيط أن يحفظ ألف بيت من الشعر ثم يُطلَب إليه نسيانها، كأنه قناة اتصال بالغة الحساسية تربط بين سياقين؛ منصرم راسخ، وحاضر يتخلق.
ويقول إن الشاعر عبد اللطيف عبد الحليم (أبو همام) واحد من أكثر شعراء العربية المعاصرين إخلاصاً لهذا الفن العصي على البوح، وأشدهم تمسكاً بمفهوم الشعر المجاوز لفكرة الثورة على الشكل دون المضمون، مؤمناً بأن حرية الشعر لن تتحقق بتحطيط أطره التقليدية وهدم أعمدته المعبدة، وإنما تتحقق بقدرته على اجتراح قيم دلالية وجمالية جديدة، ليغدو "أبو همام" نموذجاً للصوت الشعري الرصين المحتفظ للشعر الموزون المقفى بمكانته الشامخة، وسط ركمات من التيارات الشعرية الثائرة والمتمردة والمعادية في كثير من الأحيان للشعر في صورته التراثية.
ويلفت الناقد النظر إلى أنه على الرغم من اتساع تجربة أبي همام الشعرية وامتدادها إلى ما يقرب من الخمسين عاماً أصدر خلالها سبع مجموعات، فإنها ما زالت تحتفظ بوهجها الناتج عن عوامل عدة منها اتكاء الشاعر على التاريخ، وتناصه مع أحداثه وشخصياته، واستثمار ما يقدمه من أمثولات وعِبَر مترشحة للولوج إلى الحاضر الذي يغدو جلياً للماضي وفق شروط تاريخية لا تؤثر جدتها في عوامل المشابهة بين السياقين الفائت والحالي.
ويؤكد الناقد أن الشاعر لا يتناص مع التاريخ بهدف الاستعاضة عن الحاضر بالماضي، وإنما بهدف تحويل الجوانب التراثية المتألقة بطبيعتها إلى أطر فنية رمزية، تتيح للشاعر أن يتعمق في الحاضر، وأن يجذر رؤاه الشعرية للواقع والحياة والوجود، وهو ما يجعل رهان الشاعر على التناص التاريخي رهاناً يمتلك مبرراته الإبداعية.
ويتطرق الناقد الى قصيدتين لأبي همام هما "من المعتمد بن عباد إلى ملوك الطوائف"، و"من آخر كلمات بن حزم"، بوصفهما من النماذج التي تؤشر إلى طرائق تفاعل المتن الشعري مع النص التاريخي.
وتوزعت الدراسة على ثلاثة محاور تمثل مظاهر تعامل الشاعر مع التناص بوصفه استراتيجية بنائية تؤسس للنص، وتحقق كفايته الإنتاجية على المستوى الدلالي، وهذه المحاور هي التناص الموجه، والتناص المراوغ، والتناص المركب.
ويوضح أن هذه المظاهر لا تحضر في صيغ مستقلة، وإنما تلتحم معاً في إطار الجسد النصي الواحد، بما يسمح لها بتبادل أشكال التأثير والتأثير، ومن ثم فالفصل بينهما هو أحد مقتضيات التحليل النصي المعني بالكشف عن القيم الوظيفية للتناص التاريخي في تمظهراته المختلفة.
ويبين الناقد أن الشاعر وظف التناص غير المباشر من خلال الجمل المكثفة ممثلة في الأقوال المأثورة والأمثال، بغية تكثيف دلالة النص من خلال استكمال الخطاب وتواصله واستمرار تتابعه المنطقي، بعيداً عن الإسهاب غير المبرر، بالإضافة إلى تفعيل البعد الجمالي بإحداث نوع من التشويش على الإيقاع المنتظم للنص.