الصناعات الحرفية في بلادنا هي أحد المتون التي حملت إلى العالم معالم حياة المواطن العماني على اختلاف مراحل تاريخه، ذلك لأن هذه الصناعات وإن تكن قد تحولت في معظمها إلى تراث يعرض في المتاحف، إلا أنها كانت محور حياة الإنسان العماني ومحرك اقتصاده واقتصاد الدولة أيضًا في تلك العهود السابقة، وهي تحمل عبق التاريخ العماني وملامح الصنَّاع المهرة الذين كانوا يجيدون تصنيع هذه الحرفيات للاستعانة بها في البيت وموقع العمل، سواء كان مزرعة أو مصنعًا.
وحين نمعن النظر في إنتاجات الصناعات الحرفية المختلفة، سنجد أنفسنا أمام كم هائل من المسميات لهذه الحرفيات والتقسيمات بحسب استخدام كل منتج، وهي مسميات رائجة مثل السعفيات والخزفيات والفخاريات والنسيجيات والأدوات الزراعية والصناعة المنزلية، لعبت في إنتاجاتها واختلافاتها عوامل كثيرة كالزمان والمكان والطبيعة الجغرافية وأنماط العيش، والأفكار والعقول المتعددة، والإرادة ومقاومة التضاريس ومشقات الحياة ومتطلباتها، وهي في الاتجاه ذاته تميط اللثام عن جهد عقلي واضح للمواطن العماني ودأب على التطوير المستمر لتوفير الجهد والوقت والمال.
وإذا كان التراث هو كل ما ينتقل من عادات وتقاليد وعلوم وآداب وفنون ونحوها من جيل إلى جيل ويشمل الفنون ـ والتي يمكن أن يندرج تحتها الصناعات الحرفية ـ وكذلك المأثورات الشعبية من شعر وغناء وموسيقى وقصص وحكايات أمثال شعبية، وأيضًا العادات المتبعة في الزواج والاحتفالات بالأعياد والرقص الشعبي وأيضًا الرياضات التقليدية. وإذا كانت الصناعات الحرفية في بلادنا جزءًا لا يتجزأ من الهوية والثقافة العمانية التي كانت على مر التاريخ لها خصوصيتها الفريدة التي أعطت بدورها فرادتها للشخصية العمانية وفكرها ونبوغها وإجادتها في ابتكار وسائل الحياة ومتطلباتها ومقاومة عوامل الزمان والمكان والتغلب عليها، فإن العمل على حفظ هذا التراث وتجديده، وإعادة بعثه وإبرازه بالشكل الذي يليق ويؤكد الهوية العمانية، هو ما نهضت به النهضة المباركة، حيث أولى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ جل اهتمامه لهذا القطاع الحيوي الأكثر رسوخًا في تاريخنا الممتد، ووفر الدعم اللازم للارتقاء بالصناعات الحرفية العمانية لتصبح مصدر دخل للفرد ودعمًا للاقتصاد الوطني في نفس الوقت، إلى جانب قيمتها الرمزية الكبيرة، بالنظر إلى توافر الخامات الأساسية محليًّا لهذه الصناعات، وكذلك توارث مهارات إنتاجها من جيل إلى جيل. وأمام هذه الحقيقة التي تبعث على الفخر والاعتزاز للجهود المتواصلة والحرص الدائم من لدن جلالة السلطان المعظم ـ أبقاه الله ـ نقف عند محطة جديدة من محطات الاهتمام بالصناعات الحرفية والعاملين عليها والمشتغلين فيها من خلال مسابقة جائزة السلطان قابوس للإجادة الحرفية في دورتها الرابعة وأهدافها النبيلة والسامية، بالتشجيع على المحافظة على هذا التراث وصونه، وبالتعريف بأهمية دور الحرفي ومساهمته في مسيرة التنمية الشاملة من خلال التركيز على المحاور الهادفة لتأسيس المشاريع الحرفية، بالإضافة إلى دعم ورعاية الحرفيين وتأهيلهم في مختلف مجالات الإنتاج الحرفي، حيث بدا هذا الاهتمام ومفرداته الوطنية الكبيرة في تلك الإبداعات التي عكست مدى الانتماء والاعتزاز بالتراث العماني والهوية العمانية، وترجمت الاهتمام والحرص من لدن جلالته، والتي نالت شرف الفوز بكؤوس المسابقة في مجالاتها الأربعة (الخشبيات والفضيات والنسيجيات والخزفيات). كما أن أعداد المشاركين والمتنافسين هي الأخرى ترجمت الاهتمام والحرص والانتماء والاعتزاز والتي بلغت (834) حرفيًّا في فئة المنتج الحرفي بمجالات النسيجيات والفضيات والخزفيات والخشبيات تأهل منهم ضمن منافسات المسابقة (79) حرفيًّا، فاز منهم (11) حرفيًّا، فيما بلغ عدد المؤسسات المشاركة بفئة المشاريع الحرفية المتأهلة ضمن منافسات المسابقة (12) مشروعًا، فاز منها (3) مشاريع حرفية، وهي ـ بلا شك ـ أرقام جيدة، وتعبِّر عن فكر متنامٍ بقيمة التراث ودوره في حياة الإنسان، وأنه جزء أصيل من حياته ولن يتخلى عنه في ظل تحديات العصرنة وإفرازاتها، لكن يبقى الدور كبيرًا على الجهات المعنية بالتراث وصونه في توعية الأجيال بتراثهم وهويتهم وأهمية المحافظة عليهما وتطوير الصناعات الحرفية بما يواكب العصرنة مع الحفاظ على روح التراث.