المنامة ـ (الوطن):
مع اختتام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي المرحلة الثالثة من برنامج تنشيط الاقتصاد عن طريق التوسع النقدي، بدأت الأسواق الصاعدة تستعد لارتفاع أسعار الفائدة الأميركية في المستقبل القريب، حيث ألمحت جانيت يلين رئيسة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى أن أسعار الفائدة قد تبدأ في الارتفاع نهاية العام 2015.
ووفقا لصندوق النقد الدولي، فإن رفع أسعار الفائدة يعني العودة لتشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة، الأمر الذي ينجم عنه تباطأ في تدفق رؤوس الأموال الموجهة لأصول الأسواق الصاعدة أو يتخذ اتجاهاً عكسياً نتيجة لتحسن جاذبية السوق الأميركي، مما يؤثر على توافر التمويل في هذه البلدان أو على تكلفة الحصول عليه، وسوف يخلق الكثير من التحديات أمام الاستقرار المالي العالمي.
وفيما يخص انعكاسات ذلك على الاقتصادات الخليجية، يرى الصندوق أن تأثير رفع سعر الفائدة سيكون متفاوتا بين منطقة وأخرى، ولن تكون الاقتصادات الخليجية بمنأى عن تلك التأثيرات، حيث ستضطر إلى رفع سعر الفائدة لديها مما قد يعيق التمويل الائتماني لدفع الانتعاش، لكن فيما يخص تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية الداخلة إلى دول مجلس التعاون الخليجي فإنها قد تحتفظ بدرجة من المرونة.
في المقابل يرى الصندوق أن حالة الاستقرار المالي في الاقتصادات المتقدمة شهد بعض التحسن خلال الأشهر الأخيرة، مع اتساع نطاق التعافي الاقتصادي وازدياد صلابته. وقد أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أن رفع أسعار الفائدة الأساسية أصبح وشيكا في الولايات المتحدة نظرا لقرب استيفاء المتطلبات الاقتصادية الأساسية. وفي منطقة اليورو اكتسبت سياسات البنك المركزي الأوروبي فعالية وتواصل أوضاع الائتمان التحسن.
غير أن المخاطر تحولت نحو الاقتصادات الصاعدة. ورغم أن كثيرا من هذه البلدان سبق أن عززت من أطر سياساتها ومدى صلابتها لمواجهة الصدمات الخارجية، فقد تعرض العديد منها لاختلالات داخلية كبيرة. فالنمو يتباطأ للعام الخامس على التوالي مع انتهاء دورة السلع الأولية الكبرى وطفرات الائتمان غير المسبوقة. ويمثل هذا الأمر أهمية خاصة نظرا لحصة الأسواق الصاعدة الكبيرة في الاقتصاد العالمي، إلى جانب دور الأسواق العالمية في نقل الصدمات إلى الأسواق الصاعدة الأخرى وما يترتب على ذلك من تداعيات على الاقتصادات المتقدمة، وهو ما اتضح من الاضطرابات المالية المشاهدة هذا الصيف.
وبصورة عامة، يواجه صناع السياسات ثلاث تحديات رئيسية. التحدي الأول هو مواطن الخطر في الأسواق الصاعدة. فالميزانيات العمومية للشركات المالية والبنوك تشهد حاليا توسعا بدرجة كبيرة، وتشير التقديرات إلى أن مجموع القروض المقرضة في الأسواق الصاعدة يصل إلى قرابة 3.3 تريليون دولار. وقد أدت زيادة الرفع المالي في القطاع الخاص وزيادة الانكشاف على الأوضاع المالية العالمية إلى زيادة تعرض الشركات لنوبات الهبوط الاقتصادي، وتعرض الأسواق الصاعدة لخروج تدفقات رأس المال وتدهور جودة الائتمان. وتواجه الصين، على وجه الخصوص، مهمة تحقيق التوازن الدقيق بين الانتقال إلى نمو أكثر اعتمادا على الاستهلاك دون إحداث تباطؤ مفرط في النشاط.
والتحدي الثاني هو ضرورة معالجة تركات الأزمة في الاقتصادات المتقدمة لترسيخ الاستقرار المالي والحد من التيارات المعاكسة التي يتعرض لها النمو. ففي منطقة اليورو، لا تزال معالجة مواطن الضعف على الصعيدين السيادي والمصرفي إلى جانب سد الثغرات في البنيان المالي هي من المطالب الحيوية.
أما التحدي الثالث فيتمثل في كيفية استجابة الأسواق المالية العالمية في ظل الضغوط. أن الأسواق يمكنها تضخيم الصدمات وأن تكون مصدرا للتقلب والعدوى عند انخفاض السيولة وأن سيولة السوق باتت أقل صلابة. وهذا هو أهم ما في الأمر نظرا للسياسات النقدية التيسيرية المتبعة على نحو استثنائي والتي ساهمت في تقليص علاوات المخاطر بين مجموعة مختلفة من أسواق الأصول.
وتتطلب هذه التحديات المتنوعة تحديثا عاجلا للسياسات. فلا بد أن تظل السياسة النقدية في أهم الاقتصادات المتقدمة تيسيرية وسريعة الاستجابة للتغيرات. وفي غمار ازدياد أجواء عدم اليقين التي تكتنف الاقتصاد العالمي، يجب على الولايات المتحدة أن تتمهل في رفع أسعار الفائدة الأساسية لحين ظهور مؤشرات أخرى على ارتفاع التضخم على نحو مطرد، مع استمرار قوة سوق العمل. وينبغي توخي التدرج في وتيرة الزيادات اللاحقة لأسعار الفائدة الأساسية مع دقة إبلاغها للجمهور.
ولا يسع صناع السياسات في منطقة اليورو الاعتماد على البنك المركزي الأوروبي وحده، فلا بد أن يسعوا لاستكمال الاتحاد المصرفي للمضي قدما نحو ترسيخ الاستقرار المالي. وينبغي لمنطقة اليورو أيضا تحقيق التقدم نحو إقامة اتحاد أسواق رأس المال. ومن شأن تعزيز بنوك منطقة اليورو عن طريق المعالجة الشاملة لمشكلات القروض المتعثرة وفرط ديون الشركات أن يؤدي إلى رفع كفاءة السياسة النقدية، ودعم ثقة السوق، وتحسين آفاق الاقتصاد. فتسوية القروض المتعثرة في بنوك منطقة اليورو يمكن أن توفر قرابة ثلاثة بالمئة من مجموع القروض في هيئة طاقة إقراضية جديدة، أي قرابة 600 مليار يورو.
وسوف تقتضي إجراءات إعادة توازن النمو وتخفيض نسب الرفع المالي في الصين توخي درجة كبيرة من الحرص. فالسلطات الصينية تواجه تحديات غير مسبوقة على مستوى السياسات في سياق التحول نحو نموذج جديد للنمو ونظام مالي أكثر ارتكازا على قوى السوق. ومن المؤكد أن تخفيض الرفع المالي في قطاع الشركات وزيادة انضباط السوق سيؤديان إلى توقف بعض الشركات عن السداد، وخروج الشركات غير المؤهلة للاستمرار، بالإضافة إلى شطب بعض القروض المتعثرة، الأمر الذي سيقتضي مزيدا من التعزيز للبنوك. ومع ذلك، فإن التحرك بحزم سيكون أقل تكلفة في نهاية الأمر من محاولة الخروج من المشكلة.