منذ أن حطت النهضة المباركة رحالها فوق الثرى العماني وصنعت التغيير الكبير فيه، شغل التعليم اهتمام حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ ومنذ أن صار للآلاف من الطلبة العمانيين تلك المدارس الراقية التي زهت بعلمها لهم، كانت الأفكار الكبرى تتجه إلى ماهو منتظر من ثورة أخرى ولكن هذه المرة في التعليم العالي، فكان الجواب على الفور جامعة السلطان قابوس التي انشئت عام 1986 ، فكانت بحق مكانا خلاقا يسرح فيه العلم والإبداع ولا ينتهي.
اليوم تزهو السلطنة بجامعة تفوق جامعات عديدة في أماكن أخرى. لقد قيل الكثير في مستواها العلمي وفي كيفية بناء الشباب العلمي على أسس وطنية صحيحة، وقيم تتجانس مع روح العصر ومتطلباته. ففي هذه الجامعة التي بات خريجوها بالآلاف، يتعلم الطالب العماني ليس فقط اختصاصه، بل مهماته الوطنية ليكون في المستقبل كادرا وطنيا يتحمل عبء الوظيفة التي شاء لهذه الجامعة أن يكون خريجوها بناة الوطن العماني، وقياداته الواعية في كل موقع تتطلبه شتى المهمات الوطنية.
تسعة وعشرون عاما بات عمر تلك الجامعة وهي تحمل مصائر أجيال ظمأى للعلم والمعرفة. ففي جنباتها تحقق الكثير، وعلى مقاعدها كبر الشباب مع حلم الشهادة التي كان لها الفضل في تحقيق المستقبل وفي صناعة آفاقه.
اليوم تخرج الجامعة الدفعة 26 بعدد طلاب يفوق الألفين (2930)، هؤلاء كغيرهم سوف يؤرخون لمرحلة جديدة من عمر الدم الجديد في الادارات العمانية التي كان للجامعة دورها في رفدها وفي تعزيز عالم الثقافة وكل المستويات الأكاديمية التي بهرت العالم أيضا. لقد ساهمت جامعة السلطان قابوس بأن تكون شريان الحياة لعمان باعتبارها خيار شبابها. ولسوف تظل أمينة على المسيرة الوطنية لهم، بل متمسكة بروح النهضة التي ستظل مباركة بفضل رعاية جلالة السلطان وصونه.
إنه لصرح فريد يحمل غايات من أشرف الأفكار الإنسانية، خصوصا وأنها أتاحت العلم للجميع، صار لهم المكان الذي يدير حلمهم ليأخذ به إلى الحقيقة، وصارت حياتهم من بعده تبنى على قيمة الجهد الذي يقدمونه وللسهر الذي تتطلبه ليالي العلم. وبهذا الصرح المتمايز في جوهره، بات للطلبة العمانيين بلوغ المرامي الرفيعة. لقد حققت جامعة السلطان قابوس نموا كبيرا في مستوى الخريجين، ثم في مستوى التعليم العالي، وهكذا تحصنت السلطنة بفضل أبنائها الذين ما أن تخرجوا في الجامعة حتى كانوا أصلاء في أماكن عملهم يديرون بنجاح واقعا جديدا لعمان الطالعة إلى العلياء.
هكذا يتم بناء وطن متكامل، يلعب فيه التعليم دوره الأساسي. إن ثورة التعليم هي الأصل القيمي لأي مجتمع يسعى لنمو حقيقي. ولن تكتمل تلك الثورة إلا اذا تحقق لها مكان اكاديمي، ولهذا نجحت السلطنة في أن تكون الدولة الأبرز خلال سنوات قليلة من عمر نهضتها، وتفوقت على دول كثيرة لها تاريخ من التقدم وسباقة في البناء. كل ذلك بفضل الخطط الرشيدة التي وهبها جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ لبلاده ولفضله الدائم في صناعة وجودها على كافة الصعد.
نبارك للخريجين الجدد ثمار العلم الذي حصدوه في غرف وقاعات جامعتنا الوطنية ـ جامعة السلطان قابوس ـ ونتمنى أن يوفقوا في غرس بذوره في مجالات تخصصهم ليجني الوطن المزيد من التقدم والرقي والازدهار.