**
الناس عباد لله تعالى وحده دون سواه، وكل توجه بخلاف هذا المبدأ فهو باطل لا أثر له، يقول تعالى:وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ (البينة/5) فإخلاص العبودية لله يقتضي عدم جواز استعباد الإنسان أخيه الإنسان، وقال تعالى:وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ(الزخرف/45). فمؤدى هذين النصّين ومقاصدهما وغيرهما من النصوص الأخرى إفراد الإنسان عبوديته لله دون سواه، واللّه تعالى أمر الرسل كلهم بهذا، ونحن يجب علينا الانصياع لأوامره تعالى كذلك. وبهذا فإن استعباد الإنسان لأخيه الإنسان أمر حرّمته الشريعة الإسلامية وجرّمته القوانين الوضعية، وقد أشارت نصوص القوانين الدولية والعمانية على السواء إلى حق منع الاستعباد في أكثر من موضع، من ذلك: ما ذكره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة (4) حيث نصت على أنه: "لا يجوز استرقاق أحد أو استعباده، ويحظر الرق والاتجار بالرقيق بجميع صورهما". وهو ما أشارت إليه - أيضا - المادة (8) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حيث تطرّق إلى عدم جواز استرقاق أحد، وحظر الرق والاتجار بالرقيق بجميع صورها، وعدم جواز إخضاع أحد للعبودية، أو إكراهه على السخرة أو العمل الإلزامي. كما أن القوانين العمانية لم تكن بمنأىً عن نصوص القوانين الدولية؛ حيث إنها منعت استرقاق الناس أو استغلالهم والاتجار بهم، وأشارت كذلك المعاهدات والاتفاقيات الدولية المختلفة إلى تأييد حق تحرير وتحريم الاتجار والرق للبشر في عدد من المحافل وخرجت بعدد من التوصيات في ذلك، ومن تلك الاتفاقيات: الاتفاقية الخاصة بالرق والتي وقعت في جنيف يوم 25 أيلول/سبتمبر 1926م. وجاءت الاتفاقية التكميلية لإبطال الرق وتجارة الرقيق والأعراف والممارسات الشبيهة بالرق هي الأخرى مؤيدة على اعتماد هذا الحق والعمل بمقتضاه. وقد اعتمدت من قبل مؤتمر مفوضين دُعِيَ للانعقاد بقرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
وقد قطعت السلطنة أشواطاً متقدمةً في ترجمة أهداف خطة مكافحة الاتجار بالبشر التي وضعتها اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر استنادا لنص المادة 22 من قانون مكافحة الاتجار بالبشر الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 126/‏2008، حيث إنها أولت هذا الموضوع اهتماماً بالغاً، فقد التزمت بالانضمام لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكول الملحق بها بالمرسوم السلطاني رقم (37/‏2005). كما عكست القوانين الداخلية للسلطنة التزام السلطنة بما ورد في القوانين والمعاهدات والمواثيق الدولية في هذا الجانب. وأشارت قوانين السلطنة كذلك إلى الجزاء العقابي الذي يلحق من ينتهك هذا الحق بالاتجار بالبشر أو استعباده، وذلك من خلال نصوص مواد قانون الجزاء العماني؛ ومن ذلك ما جاء في عقوبة الاستعباد بنص المادة (٢٦٠) بالقول: "يعاقب بالسجن من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة كل من استعبد شخصاً أو وضعه في حالة تشبه العبودية". وجاء في عقوبة التعامل بالرقيق بنص المادة (٢٦١) القول على أنه: "يعاقب بالسجن من ثلاث سنوات إلى خمس كل من أدخل الى الأراضي العمانية أو أخرج منها إنساناً بحالة العبودية أو الرق أو تصرف به على أي وجه كان، أو استلمه أو حازه أو اكتسبه أو أَبقاه على حالته". وهناك أمثلة كثيرة وكبيرة تتصل باستعباد الإنسان والاتجار به لكسب الثروات والمصالح الشخصية من شخصه منها: ما ينتشر في بعض مؤسسات القطاع الخاص العالمية من تسخير الأفراد واستغلالهم البدني في الأعمال الشاقة والقسرية إلى ساعات متأخرة وبدون أية لفتة إنسانية، أو رحمة واقعية، فترى البعض منهم يعمل تحت حرارة الصيف الملتهبة وبارتفاع حاد لدرجات الحرارة، وترى آخرين يقومون بأعمال قسرية شاقة دون توفير سبل السلامة والأمن وآلية العمل المناسبة لإنجاز المطلوب. وهناك الاستغلال لحاجة البعض من بني البشر أو الضغط عليه، وذلك بالمعاملة الشاذة في شرفه وعرضه وإنسانيته فيُتَاجِرُ البعض به من خلال فتح أوكار الدعارة الخالة بالشرف، أو يستغل وجود الخدم بجنسيه معه في بيته بعمل ممارسات شاذة تحت الضغط المباشر عليهم أو استغلال حاجتهم للعمل معه. وكل تلك الصور والأمثلة تُعدّ من انتهاكات حقوق الإنسان الصارخة المجرّمة بنصوص القانون العماني وغيره من القوانين الدولية الأخرى. وإلى لقاء آخر يجمعنا بمشيئته تعالى أستودكم إياه بالحل والترحال.

محمد بن سيف بن دويّم الشعيلي
المحكمة العليا
[email protected]