[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
يبدو أن التصريحات الملونة بين مختلف القوى المكونة لمعسكر التآمر والعدوان على سوريا وتبادلها بين تلك القوى، لا تخرج عن إطار تدوير الزوايا اللازم لمواكبة الأحداث وتسارعها وسخونتها، لاسيما بعد الإقدام التركي على إسقاط الطائرة الروسية "سوخوي 42" على الأراضي السورية، ورد الفعل الروسي على هذه الحماقة غير محسوبة العواقب ـ كما يبدو. وفي الشكل واللون والطعم والرائحة، تبدو تلك التصريحات تبعًا لمقتضيات واقع الحال وتلبد الأجواء جراء حالة الاشتباك، أشبه بالحرباء، وذلك لمحاولة استيعاب وقع الصدمة التي أحدثها الحليف التركي بإسقاط الطائرة واستيعاب الغضب الروسي، وترميم ما بدأ ينهار في جدران العلاقة التركية ـ الروسية، ليس حبًّا في روسيا الاتحادية ولا حتى حبًّا في تركيا، وإنما لتدارك تأثيرات ذلك على المشهد الميداني ولإطفاء نار الغضب الروسي ومنعها من الوصول إلى تنظيمات الإرهاب التي عمل معسكر التآمر والعدوان على تربيتها وترسيخ جذورها في الأرض السورية، ولمنع روسيا من قلب الطاولة على جميع قوى المعسكر العدواني بما فيه تنظيمات الإرهاب.
هذا التلون في التصريحات الشبيه بالحرباء، بدا واضحًا في تصريحات وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الذي تجاوز حدود ما هو مسموح له حين قال إنه يمكن التعاون مع الجيش العربي السوري في محاربة تنظيم "داعش"، وذلك مباشرة بُعيْدَ اللقاء الذي جمع بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي فرانسوا هولاند بموسكو، قبل أن ينكص فابيوس على عقبيه في قمة المناخ في باريس فيربط التعاون مع الجيش السوري بشرط رحيل الرئيس السوري بشار الأسد. وعند محاولة ربط هذا التلون وتدوير الزوايا بالزمن والحدث، سنجد أن فابيوس أطلق هذا التصريح لتبريد الأجواء الساخنة بين موسكو وأنقرة وتليين موقف القيادة الروسية، ومساعدة هولاند المبعوث من قبل الناتو والبيت الأبيض للوساطة وترتيب لقاء بين القيادتين الروسية والتركية لإنهاء ملف إسقاط الطائرة، والتنسيق بينهما في الملف السوري. ولكن بمجرد أن أعلن الكرملين أن الرئيس بوتين لن يلتقي نظيره التركي رجب طيب إردوغان على هامش قمة المناخ، حيث طلب الأخير لقاء بوتين لتسوية ملف الطائرة، عاد فابيوس عن تصريحه السابق بربط التعاون مع الجيش العربي السوري بشرط رحيل الرئيس بشار الأسد عن السلطة. وهو أسلوب لطالما استخدمته قوى معسكر التآمر والعدوان في إطار الحرب النفسية ومحاولة ليِّ يد الروسي وثنيه عن مواقفه من سوريا وشخص رئيسها الشرعي المنتخب. مع أهمية الإشارة هنا إلى ما قلناه سابقًا (بأن هناك تنافسًا بين الفرنسي والبريطاني على السمسرة لصالح الأميركي، بل تنافس يصل إلى ما هو أدنى من السمسرة).
لعبة تدوير الزوايا لا تعني تراجعًا عن جملة ما هو معلن ومشاهد من مواقف داعمة للإرهاب من قبل تحالف التآمر والعدوان بقيادة الولايات المتحدة، بل تعني تحضير المشهد السوري بوجه خاص، ومشهد المنطقة بوجه عام لمرحلة جديدة من العدوان على سوريا بعنوانها العريض والكبير "محاربة داعش" على أرض سوريا والعراق، هذا التحضير يمكن قراءته من خلال عدة أمور منها:
أولًا: بينما أعطت ألمانيا الضوء الأخضر لقواتها للمشاركة في قصف سوريا وانتهاك سيادتها بحجة "محاربة تنظيم داعش"، تُحضِّر بريطانيا نفسها للعمل الخارج عن القانون الدولي، حيث تفيد الأنباء بأن زعيم حزب العمال البريطاني جيريمي كوربن أعطى لنواب حزبه حرية التصويت بشأن "مشاركة بريطانيا في الضربات الجوية في سوريا"، ما يرجح حصول رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون على تأييد مجلس العموم للمشاركة في الحملة الجوية على سوريا، رغم معارضة كوربن شخصيًّا لذلك. ومن يتابع الخطابات التبريرية لكاميرون أمام مجلس العموم سيجد أنه أمام نسخة كربونية لتوني بلير رئيس الوزراء المستقيل الذي ألقى خطبه النارية بحججها الواهية والكاذبة لتبرير غزو العراق. وكما هو معروف أن دخول الخبث البريطاني على خط الأحداث يعني أن المنطقة وسوريا تحديدًا مقدمة فعلًا على كارثة، خاصة وأنه يأتي في إطار التملق الفرنسي المنافس له لصالح الأميركي.
ثانيًا: محاولة الاستفادة من العصابات الإرهابية المحاصرة في حي الوعر بحمص وقدسيا بريف دمشق وربما الزبداني بالإيعاز إليها بقبول جهود المصالحة ليتم تجميعها في إدلب التي ستتحول ـ وفق ما هو مخطط كما يبدو ـ إلى خزان إرهابي ثانٍ بعد محافظة الرقة التي تشهد سباقًا محمومًا بين سوريا وحلفائها من جهة وبين معسكر التآمر والعدوان عليها للوصول إلى المحافظة من جهة أخرى. وكما يتضح من سير المعارك أن معسكر التآمر والعدوان يسعى إلى ضم محافظتي الرقة وإدلب مع مدن الشمال السوري كالحسكة التي بقبضة ما يسمى بقوات (سوريا الديمقراطية) المدعومة من واشنطن، وسلخهما عن الدولة السورية ليبتز سوريا وحلفاءها، وبالتالي محاولة دمج المسلحين الأكراد مع العصابات الإرهابية مختلفة المسميات التابعة لتنظيم القاعدة وتقديمها على أنها ـ كما يدَّعي المتآمرون ـ "معارضة سورية معتدلة"، ما يستوجب من تحالف التآمر والعدوان دعمها وحمايتها، وإجبار سوريا وحلفائها على عدم استهدافهم. لاريب أن فشل هذا المخطط محكوم بسرعة الحلف السوري ـ الروسي ـ الإيراني وفعاليته على الميدان والوصول قبلًا إلى الرقة وإدلب وتحريرهما من قبضة الإرهابيين، وتفويت هذا المخطط الذي إن نجح وأصبحت الرقة وإدلب ومدن بالشمال السوري بقبضة العصابات الإرهابية المدعومة من قبل حلف التآمر والعدوان، فإن مؤشرات ذلك تعني أن المنطقة عامة وسوريا خاصة مقدمة على حرب عالمية على أرض سوريا والعراق، اللتين يضغط عضوا مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور جون ماكين والسيناتور ليندس جراهام على الكونجرس لتشكيل جيوش أجنبية ـ تعد في العمل العسكري والسياسي جيوش مرتزقة ـ قوامها مئة ألف جندي، وإذا ما نجحت هذه الضغوط فإن ذلك يعني أن حربًا عربية ـ عربية مدمرة تأكل الأخضر واليابس، وتأخذ معها الأوطان العربية وشعوبها لصالح زمرة المستعمرين والمتكالبين الذين يقودون المرتزقة والعملاء والخونة في المنطقة من الخلف. فهل يعقل أن هذه الحشود الضخمة التي يحشدها تحالف التآمر والعدوان بقيادة الولايات المتحدة هي لمحاربة "داعش" التنظيم الذي تقدر تعداده واشنطن بين عشرين إلى ثلاثين ألف عنصر؟ أليس الأمر أبعد من ذلك؟ وإذا لم يكن أبعد من ذلك، فلم محاولة دعم الإرهاب في المحافظات السورية وسلخها عن الدولة السورية؟ ولماذا يتم محاربة كل من يتعاون مع سوريا لدرء خطر الإرهاب؟