[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
يرتجف الكثيرون في الحيّ لأنهم سمعوا صوت انفجار في مكان ليس ببعيد واصدرت الشرطة أمرا بمنع حركة الناس وغير مسموح لهم بالخروج من منازلهم، يقرأ الصغار ما يمور في دواخل الكبار من قسمات وجوههم ومن تصرفاتهم المرتبكة القلقة، النساء يرقبن الرجال وهؤلاء يحاولون الظهور بحال متماسك لكن ما يشتعل في اعماقهم اقوى من قدراتهم على التماسك، فهؤلاء جميعا لم يعيشوا الحرب والدمار والقتال والانفجارات ولا يعرفوا عنها الكثير وكل ما يتذكروه أنهم شاهدوا التلفزة تنقل مشاهد الحروب في دول بعيدة عنهم وغالبا ما تظهر صور الانفجارات العنيفة بدون اصوات، دخان متصاعد وينتهي المشهد خلال خمس ثوانٍ فقط، وقد تنتقل الشاشة إلى خبر آخر بعيد عن غابات القتل والحروب والدمار، وفي اغلب الاحيان يشاهد هؤلاء تلك المشاهد وهم يدخنون أو يتناولون وجباتهم هذا في حال رغبوا بمتابعة نشرة أخبار لبقية دول العالم بعيدا عن اخبار كرة القدم والطقس وما طرأ على الضرائب وأسعار السوق في بلدهم.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 لم تقع الكثير من الحروب على الأراضي الأوروبية اما في الولايات المتحدة فأن ناسها بقوا بعيدين عن الحروب، وكل ما عاشوه من الحروب هو أخبار حرب فيتنام التي ينقلها الجنود ووسائل الإعلام، ثم توقف ذلك بتوقف الحرب منتصف سبعينيات القرن العشرين، وبعد خمس سنوات تقريبا دخل الاتحاد السابق في حرب افغانستان الشهيرة ليعيش السوفيت أيام حرب اكلت الكثير من البشر والاموال والمعدات العسكرية، وكانت حرب البوسنة والهرسك مطلع تسعينيات القرن الماضي وحرب الفوكلاند بين بريطانيا والارجنتين عام 1982 ، أما غالبية دول أوروبا وأميركا والمكسيك وكندا فقد بقيت بعيدا عن وقع الحروب والانفجارات والدخان المصحوب بنتف الدماء وقطراته المتناثرة. وأن نسبة الدول والشعوب التي خاضت الحروب واكتوت بنيرانها طلية ستة عقود كانت الأكبر والاكثر، وهذا يعني أن المجتمع بشريحتيه من مسؤولين في مختلف المجالات ومن ناس بمختلف الطبقات لم يعرفوا شيئا عن أهوال الحروب، وإذا عرف الجيل الاول الذين ولدوا آواخر النصف الأول من القرن العشرين اهوال الحرب العالمية الثانية فأن هؤلاء قد رحلوا أو على وشك ذلك، وأن الاجيال الاخرى قد سمعوا القليل من اهوال الحروب ودمارها دون أن يعيشوا تفاصيلها.
قد يعتقد البعض أن الارتباك والخوف وايقاعات الحرب واهوالها تصيب عامة الناس فقط وهذا غير صحيح لأن كبار المسؤولين يقعون تحت اهوال الحرب وإن تظاهروا خلاف ذلك ، والكثير من القرارات الخاطئة التي يتخذها الكثير من المسؤولين في الدول التي تتعرض لهزّات أمنية تكون متسرعة أو مرتبكة بسبب ايقاعات اهوال الحرب وتداعياتها، ويمكن تلمس ذلك في المبالغة بالقرارات والاجراءات ما ينعكس بصورة سلبية على المزاج العام للناس الذين يعتقدون أن المسؤولين اقوياء ولا يخافون الحروب وتداعياتها.