[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
ليس تثبيطًا للعزائم، أو إحباطًا للهمم، إذ نشير إلى أن قمة المناخ التي عُقدت أواصرها في باريس يوم الاثنين الماضي لا يمكن لها أن تلبي طموحات البشرية في عالم خالٍ من الغليان الحراري.
لا شك أن المؤتمر عقد برعاية الأمم المتحدة التي جندت له العشرات من الخبراء، وأسبغت عليه المزيد من آمالها بالسلام الأخضر والطراوة، وانحسار التلوث الحراري وتحرير الطبيعة من سطوة الغازات الدفيئة ذات التأثير الخطير على الكائنات الحية التي فقدت الكرة الأرضية منها 4000 نوع من الكائنات الحية حسب دراسات علماء، غير أن كل ما قيل على الألسنة القيادية للعالم، وما سيقال على مدى الأسبوعين القادمين من خلال حلقة الخبراء في ضوء المقررات العامة للقمة لن يكون أحسن حظًّا من ورش سابقة كان عنوانها هذا الموضوع، لعل أغناها حلقة بالي في إندونيسيا وقمة كوبنهاجن قبل عامين، والعديد من اللقاءات الأخرى التي ركزت على خطورة الاحتباس الحراري وثقب الأوزون وإمكانية تحرير البشرية من الأنماط الاستهلاكية التي تؤدي إلى انبعاثات حرارية ابتداء من حرارة طبخ وجبة طعام لفرد واحد إلى الانبعاثات الهائلة المصحوبة بثاني أكسيد الكربون لعشرات الآلاف من المصانع التي لم تلتزم أغلبها في التصريف الأمين للحرارة والفضلات، يضاف إلى ذلك الكم اليومي المتكرر من غازات عوادم السيارات وفضلات ناقلات النفط العملاقة والبواخر التجارية الأخرى والتجارب النووية حتى تلك التي تجري تحت الأرض.
إن فرصة (تبريد) العالم لا تبدو سانحة إذا أخذنا بحقيقة أن السياسة على عادتها تسللت إلى هذا المؤتمر ذي الخصوصية العلمية مثلما فعلت في نشاطات أخرى اقتصادية أو بيئية، فهناك آراء متضاربة بشأن كيفية المعالجة، مع العلم أن الكلف المالية لتغيير الأنماط الاستثمارية والاستهلاكية باهظة جدًّا، وعلى سبيل التشخيص فإن الولايات المتحدة الأميركية سبقت الجميع في تمرير رأيها بأنها لن تكون ملتزمة قانونيًّا على طول الخط في تنفيذ ما يتوصل إليه الخبراء.
لقد روج الأميركيون لمعلومات من هذا النوع في إجراء استباقي ليقينهم أن كلفة خسارتهم في تغيير أنماطهم الصناعية والحياتية العامة جسيمة جدًّا، وليس باستطاعتهم تجرعها، وبالمقابل أن الهند التي زادت من استهلاكها لطاقة الفحم خلال السنوات الخمس الماضية ـ وما زالت على المنوال نفسه ـ ترى في المؤتمر أصابع سياسية يراد بها أضعاف إن لم نقل إيقاف عجلة دول البريكس، وهي في مقدمة هذه الدول المقصودة، وبالنسخة الأقل الصين، ودول في آسيا وإفريقيا وأميركا الجنوبية.
إن التعهدات التي قطعتها دول العالم على نفسها من أنها ستلتزم بأية حلول يتخذها المؤتمر، لا يمكن أن يصار إلى تنفيذها أصلًا، فهي بالضرورة تحتاج إلى نظام رقابي صارم يتطلب شبكة رصد دقيقة لقياس مدى التزام هذه الدول بها، وهو ما لا تستطع الدول المذكورة توفيره، ثم كيف لخبراء الأمم المتحدة أن يقنعوا دول العالم بحصة كل دولة من المسؤولية في مواجهة ارتفاع درجة حرارة الكون في المعادلة مع ما تسببه من انبعاثات الغازات الدفيئة.
يبدو أن التشخيص القائل بأن العرب (اتفقوا على أن لا يتفقوا) قد تسلل عن طيبة خاطر للساحة الدولية، وأن أحكام هذا الواقع المؤلم أخذت مجالها الرحب إلى دول أخرى، حيث كشف أكثر من مرة واحدة عن وجود تباين بين ادعاءات بعض الدول من أنها تلتزم بالمعايير التي تحد من ارتفاع درجات الحرارة، في حين أن المعلومات الأخرى تفيد أن ذلك مجرد إعلان خادع لا أساس له من الصحة، وهكذا ستظل البيئة الخاسر الأكبر إلا إذا صدقت النيات.