ما أكتبه اليوم عن السودان ليس استنادا الى مراجع أو دراسات او كتابات سبق لكتاب كتابتها او متابعة لوسائل إعلام سودانية مقروءة او مسموعة او مرئية او حتى إعلام إلكتروني، وانما من واقع مشاهدة ومعايشة اتيحت لنا على مدى خمسة ايام من خلال مشاركتنا في اجتماعات الاتحاد العام للصحفيين العرب والتي عقدت مؤخرا في الخرطوم لنتعرف على السودان الانسان والمكان، فالسوداني عروبي بطبعه يتصف بعديد الصفات المكونة لشخصية العربي الأصيل حسن استقبال وكرم ضيافة ورقي في أسلوب الحوار وعزة نفس وعلم وثقافة، إنه يعتبر من بين الشعوب العربية القليلة التي تنفرد بالهدوء والوقار، فبالكاد تسمع من بينهم صوتا عاليا وذلك نتاج لمؤشر التعليم والحرص عليه من الجميع.
فالسودان يعتبر التعليم فيه من أقوى المجالات في الوطن العربي بدليل مجموع الخبرات التي يحتضنها العالم في مختلف العلوم ومجالات العمل الأكاديمي والمهني الإنساني، وكمكان يمثل بوابة افريقيا نحو اكبر قارات العالم آسيا من حيث المساحة وعدد السكان، فهو يمتلك العديد من المقومات التي يمكن ان تجعل منه بلدا اكثر رخاء وازدهارا وتقدما، الا ان ذلك حتى الان ولربما نتيجة الحصار المفروض لم يستغل بالشكل الذي يرجع بالبلد الى ذلك الازدهار الذي جعل من الشيخ زايد ـ رحمه الله ـ ان يطلب من رئيس بلدية الخرطوم تحويل دولة الامارات العربية المتحدة مثلها تماما، صحيح ما شاهدناه ولمسناه من حراك وطني لترسيخ الوحدة بعد انفصال الجنوب من خلال الحوار الوطني الذي يضم ١٢٠ حزبا وعددا من الجماعات المسلحة يدفع نحو المزيد من الاستقرار، الا ان الوضع الحالي وفي ظل وجود شعب مثقف ومتعلم طيب وهاديء وبلد منفتح وفاتح ذراعيه للاستثمار، يحتاج من رؤوس الأموال العربية ان توجه بوصلتها اليه بدلا من المغامرات غير المحسوبة لدى البعض في دول يصعب ارجاع ما يستثمر فيها بسهولة اذا متى ما غضبت.
فالغزو الاقتصادي القادم من دول كالصين مثلا لن يترك بعد فترة مجالا لمن لم يحظ بأسبقية الاستثمار في بلد يعد من بين الدول الأكبر مساحة في الوطن العربي وفي ظل وجود قوى عاملة ماهرة وأرض خصبة صالحة للزراعة نتيجة وفرة مياه النيل اذا ما استغلت ستمثل سلة غذاء للعالم، وأسواقا مستهلكة شرقا وغربا، فما علمناه خلال تواجدنا ان هناك مساحات شاسعة من الاراضي خصصتها الحكومة لعدد من الدول دعما منها لتشجيع الاستثمار الا ان هذه المساحات لايزال بعض منها دون استغلال يمكن ان يسهم سواء في تطوير البلد وتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع او تنويع مصادر الدخل للدول المستثمرة خاصة الخليجية منها بدلا من الاعتماد على النفط الذي اصبح يهدد هذه المجتمعات بكوارث اقتصادية قادمة. فلتعدوا العدة ولتكن وجهتكم السودان ان لم يكن في كل القطاعات فليكن في قطاع الزراعة والثروة الحيوانية ولا تتركوا التنين الصيني ينفرد بخيرات هذا البلد العربي الأصيل.

طالب بن سيف الضباري
أمين سر جمعية الصحفيين العمانية