[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]

إذا لم يتدخل حكماء الخليج سريعا، وتتغلب الحكمة السياسية على النوازع والعواطف بل والمصالح السياسية والاقتصادية، فسيناريو التصعيد هو المرشح بل الطاغي على توجه المرحلة المقبلة بعد سحب سفراء الرياض وابوظبي والمنامة من الدوحة, وما حدث أمس من سحب الاعلاميين من الدوحة، وحظر الكتاب من الكتابة في الصحافة القطرية، مما تظل اسوأ الاحتمالات قائمة في ظل احساسنا الكبير بحدث كبير قد يقع في اي وقت، حدث يعطينا الانطباع بأن كل ما يحدث حاليا يقع في الوقت الضائع، وقوة التدخل هنا شرط اساسي لحمل الكل على الانصياع لمنطق الحكمة السياسية التي تعطي الاولوية للاستقرار السياسي للدول الست جميعها في هذه المرحلة الخطيرة جدا والحساسة جدا.
فلا شيء في هذه المرحلة يمكن أن يشكل عامل توازن أو رادعا قويا للاختلالات الأمنية وفقدان قوتي الردع والمواجهة فجأة في الخليج، فالحليف الأميركي التقليدي ظهر للكل مشوشا ومنكسرا ومهزوما ومتحللا من التزاماته التاريخية تجاه الخليج، ودون قوة التدخل الثنائي من السلطنة والكويت معا، فلن تكتفي الدول الثلاث بسحب السفراء والاعلاميين ومنع الكتاب، فالمعلومات التي استسقيناها من مصادر خليجية رسمية ورفيعة جدا، تفيد بأن هناك خطوات مقبلة قد تتخذها الدول الثلاث، تكمن في اتخاذ عدة خطوات تصعيديه خطيرة جدا، سوف تؤدي الى إعلان وفاة ما تبقى للمنظومة الخليجية من حياة باقية، مثل، إغلاق الحدود مع قطر، ومنع الطيران القطري من التحليق فوق أجوائها .. الخ إذن، الخليج .. الى أين ؟ هذا التساؤل الذي تصدرنا به مقالنا السابق والذي جاء مستشرفا لمثل تلك الأحداث السلبية قبل وقوعها، لا يزال قائما وصالحا لفهم المزيد من التداعيات المتوقعة والمحتملة، والكرة الآن في ملعبي السلطنة والكويت، والضرورة تحتم تدخلهما السريع قبل الانتقال الى أجندة ما بعد سحب السفراء والاعلاميين، وسوف يكون نجاحا باهرا للسياستين العمانية والكويتية ولو نجح تدخلهما قبل انعقاد القمة العربية في الكويت في أواخر الشهر الحالي، وينبغي أن يكون ذلك هاجسهما، ويسعيان الى تحقيقه بكل ما أوتيا من قوة وقوى، والرهان عليهما معا شرط زمني وموضوعي، فالفترة الزمنية القصيرة والضاغطة والخطرة تحتم تدخل هاتين الدولتين بصورة مشتركة، وحدة الخلافات بين طرفي النزاع الدبلوماسي وخطط التصعيد تدفع باتجاه هذه الثنائية المشتركة، من هنا يمكن أن يشكل تدخلهما معا قوة للوساطة بين الجانبين بحكمتهما السياسية المعهود والمشهورة، وإذا لم يقوما بذلك فورا وبنفس القوة المقترحة، فإن هناك غيابا واضحا للحكمة السياسية، وبغيابها سوف يسود منطق الحجج الفاعلة والحجج المضادة، ويعتقد كل طرف من خلالها بأنه على حق رغم أن منطق المرحلة الراهنة ليس هو منطق الحق وإنما منطق الواجب، وبغيابها اي الحكمة السياسية سوف تولد بيئة تعيش فيها شياطين الإنس والجن، فالمرحلة تحتم حكمة سياسية بعيدة النظر، كل ما يحدث في الخليج الآن أو في أغلبه، هو نتيجة غياب الحكمة السياسية، وكما قال افلاطون ،، فإن الحكمة السياسية هي أم الحكمة العسكرية ،، ومن هذا المقولة نرى أنه عندما تغيب الحكمة السياسية، فإنه لا يمكن لأي قوة أخرى حتى لو كانت عسكرية أن تنتج انتصارات فورية أو مستقبلية حاسمة، بل العكس، فإنها سوف تحدث تأثيرا في مفردات البيئة الإستراتيجية على نحو أعمق، كسحب السفراء، فأثره السلبي الاستراتيجي قد مس جوهر المنظومة الخليجية، وإغلاق الحدود مع قطر ومنع الطيران القطري من التحليق فوق أجواء الدول الثلاث، سوف يؤدي بدوره الى وفاة المنجز الوحدوي الوحيد في عالمنا العربي – رغم ما عليه من تحفظات - وأثره السلبي كذلك، سوف لن يؤثر على دولة واحدة فقط بل كل الوحدات السياسية في المنطقة، وكذلك سيؤدى الى تشتت وتوزع الدول الست على محاور عدائية لبعضها البعض، صحيح يبدو الوضع كذلك قبل سحب السفراء، لكن تطور التصعيد سوف يعمق ويرسخ سياسة العداء المحورية، ويعمل كل محور على تحقيق الانتصار على الآخر بصورة أسرع وأكثر تأثيرا، وسوف يمتد تأثيره السلبي فورا داخل مناطق عربية ساخنة جدا، كمصر واليمن، هذا قبل أن يتقاطع معها تدخلات أجنبية إقليمية قد تستغل هذه الخلافات وتعمل على قلب أوضاع بعض الدول الخليجية الداخلية، ولن ننسى البيئة الخليجية التي انتقلت إليها شياطين الإنس والجن بعد طردها من مناطقها، فسوف تجد البيئة المناسبة لهدم البنيان الخليجي كما هدمت بنيان مجتمعاتها، وسوف تعمل للتعجيل بالمتغيرات الكبرى التي لن تكون لصالح الأنظمة نفسها، ولدينا قوة إحساس بدور هذه القوى التي تعمل ليلا ونهارا من أجل تسريع وقوع المتغيرات الكبرى في منطقنا الخليجية بعدم وعي من بعض الأنظمة السياسية، لأنها تعتقد أنها بذلك سوف تتمكن من إدارة الأحداث في المنطقة لصالحها تحت قوة غرور المال، ولأنها تعتقد كذلك أنها في مرحلة طبيعية، ومن ثم عليها أن تتخذ قرارات طبيعية، أي لكل فعل وله ردة فعل في توقيته وماهيته، رهاناتها في ذلك نجاحها في مصر، وهذا اعتقاد سياسي خاطئ بالمطلق، فالمرحلة التي تعيشها المنطقة استثنائية، والقرارات كل القرارات يجب أن تكون في مستواها، اي ليس بالضرورة لكل فعل ردة فعل، وإنما لكل فعل وردة فعل له حكمة سياسية، يمكن أن تنزع فتيل التوتر أو الانفجار أو تحبط مؤامرات القوى التي لا تريد خيرا بالخليج، كما فعلت الدوحة التي لم تقابل سحب سفرائها بخطوة مماثلة كرد فعل، ومهما اتفقنا مع طرف دون آخر، نحن نتحدث هنا من حيث المبدأ نفسه، ولن نقف مع طرف ضد أخر، فذلك معناه تأجيج وتوسيع شقة خلاف الأشقاء، أو بمعنى أصح ،اختلاف المتشابهين في مرحلة عربية وكونية ستفرض من الداخل والخارج على كل دول المنطقة متغيرات كبرى، ومن كبرى مفارقاتها في منطقتنا الخليجية العربية، أن متغيراتها تفرض بإرادة الأنظمة وليس بإرادة شعوبها كما كان يتوقع إبان وبعيد وبعد أحداث عام 2011، ربما يكون دور الشعوب مؤجلا لوقت أخر، فهل فعلا وصل بنا الذكاء السياسي الى حد أن تعجل الأنظمة الخليجية بإحداث المتغيرات على نفسها بنفسها دون وعي منها؟ وهل تعتقد أن فتح صراعات جديدة في مرحلة استثنائية سيكون في صالحها كلها؟ الشعوب الخليجية كلها حائرة ومندهشة مما يجري حاليا وبصورة مفاجئة، ولن تقبل مجموعة مفارقات تحمل متناقضات كبرى، فبالأمس هناك دعوة للانتقال من مسيرة التعاون الى الوحدة الخليجية بالدول الست، واليوم مجلس لتعاون مهدد بالانهيار، فكيف للرأي العام الخليجي أن يقبل مثل هذه المفارقات الغريبة والعجيبة؟ وهنا تكمن الخطورة، وهى أن الأنظمة نفسها التي لم تقدر طبيعة المرحلة الراهنة.
الشعوب الخليجية – كما تابعناها في وسائل التواصل الاجتماعي والاتصالي – تتجه الى عاهلي البلاد والكويت للتدخل العاجل حتى يحبطان مخططات تلك القوى التي تسعى الى إعادة صياغة أوضاع المنطقة على نحو استراتيجي كامل، كما حدث في العراق مثلا، ولا يمكن تسمية ما يجري حاليا من متغيرات سوى بداية انقلاب استراتيجي ثان في أوضاع الخليج بعد الانقلاب الاستراتيجي الاول في اوضاع العراق، ليس امام الخليج الآن من منقذ سوى عاهل البلاد وأمير الكويت، فأهل الخليج ومستقبلهم يتطلعان لحكمتهما المشهودة، فالجهود ينبغي أن تنصب أولا على بقاء العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخليجية بمعزل عن النزاع الدبلوماسي، والعمل على عودة السفراء ثانيا بعد عقد قمة خليجية استثنائية عاجلة قبل أو بعيد قمة الكويت العربية، تعطي كذلك الضوء الأخظر لأعاده ترتيب البيت الخليجي وفق السياقات الخليجية, والخليجية الإقليمية الممكنة .. ودون التدخل العماني والكويتي المشترك ودون نجاحه سريعا، فإن المنطقة ستكون في أيدي شياطين من داخل ومن خارج المنطقة لا تريد خيرا لخليجنا الأمن والمستقر .. والله يستر من القادم.