نزوى ـ خميس السلطي: تصوير: زكريا الشعيلي
وسط حضور جماهيري كبير، تتواصل برامج وفعاليات مهرجان المسرح العماني بالمركز الثقافي بنزوى، الذي تنظمه وزارة التراث والثقافة، حيث أقيم أمس عرض مسرحي بعنوان "الزبال" لفرقة جعلان المسرحية، كما قام ضيوف المهرجان بجولة في ربوع الجبل الأخضر وذلك بغرض التعرف على جماليات هذا الجبل وخصوصيته.

جلسة حوارية

وضمن فعاليات المهرجان أقيمت أمس الأول جلسة حوارية عن المسرح العربي والمرأة شارك فيها كل من الدكتورة نوال بن ابراهيم والدكتورة ليلى بن عائشة والدكتورة كاملة الهنائية والدكتورة آمنة الربيع والناقدة المسرحية عزة القصابية. تم الطرق في هذه الجلسة إلى وجود المرأة في القطاع المسرحي والفني والدرامي في الوطن العربي بشكل خاص، ففي السلطنة، كان حضور المرأة حاضرا بقوة منذ فترة الستينيات حسبما أوردت المشاركات في الجلسة الحوارية ولكنها اقتصرت على أدوار هامشية بسيطة، رغم وجود أسماء لها وزنها في الوقت الراهن. ولكن فيما يتعلق بالقضايا التي تخص المرأة فقد نوقشت بصور عديدة، وباتت تعالج قضايا مهمة غير هامشية، على سبيل المثال، قضية المرأة المتزوجة والأخت والأم، ومعاناتها المتعددة في الجانب الاجتماعي. كما قدمت المرأة في بعض الأعمال المسرحية العمانية في دور المناضلة وصاحبة الرأي القوي، وهذا يفيد أن قضايا المرأة في المسرح طرحت أفكارا عديدة، على الرغم من أن هناك إشكاليات كبيرة واجهتها تتمثل في نظرة المجتمع والعائلة وجوانب اجتماعية أخرى. أما فيما يخص وجود المرأة العربية في المسرح العربي فقد قدمت صورا متداخلة تنطلق من الممثلة والمؤلفة والمشتغلة في قطاع السينوغرافيا، لكن في المقابل كانت تسير وفق ظروف ضيقة جدا، ويعود السبب المباشر لنظرة المجتمع الذي يرى وجود المرأة في هذا القطاع أمرا غير مرغوب فيه، فإن وجدت فهي دائما ما تظهر في محاور هامشية غير واضحة، كعضوة في لجان التحكيم على سبيل القول، ففي اللجنة الواحدة مع ثلاثة رجال وهذا أمر فيه نوع من القصور في الاتجاه، ولا يعمل على تحفيز حضورها بشكل قوي.

قمر وصحراء

بعد ذلك قدمت فرقة مسقط الحر أمس الأول مسرحية المسابقة ضمن أعمال المهرجان (قمر وصحراء) والتي تتشكل قصتها حيث الصحراء التي تسكنها العجوز الظالمة والتي لوثت بظلمها مياه الصحراء فقدمت الأطفال قربانا لبئر ملعون أملاً في ان تتطهر المياه فارسلت تبحث في المدائن عن كل طفل وامرأة لتقديمهم قرابين للبئر الملعون، هذه الأحداث المتداخلة قدمها للمتابع المخرج جاسم البطاشي، ووسط هذه الأحداث تلد امرأة حسناء طفلا سليما تنبأ ساحر أنه الشاب الذي سيفتح أبواب السماء لتمطر وتطهر مياه الصحراء فطلب منها ان تخفيه عن الأنظار حتى لا تقتله العجوز كما فعلت مع بقية أطفال الصحراء ، تمر الأيام ويكبر الطفل ليصبح شابا قوي وشجاع استطاع بشجاعته مواجه العجوز وقتلها ليحرر بذلك الصحراء من لعنة العجوز ويطهر مياه الصحراء الملوثة. هذا العرض المسرحي قُدم من خلال عدد من الفنانين والمشتغلين والقائمين عليه، ففي التمثيل المسرحي شارك كل من: إبراهيم القاسمي وخالد الوهيبي ومريم الفارسية وأحمد هديب وأحمد البلوشي وإبراهيم الوضاحي وعائشة آل فورا وخميس الغزيلي وأحمد سويد ومجيد الشعيبي وصفاء الحسنية، وفي القطاع الموسيقي مع الناي محمود المعمري ومع العود مبارك السيابي ومع الأورج عادل المعمري ونوح الحضرمي. والقائم على السينوغرافيا عبدالله البطاشي، ويساعد في الاخراج مرشد الحضرمي ، وفي الادارة المسرحية علي البطاشي والاشراف محمد بن هلال السيابي.
وحول النص تقول الكاتبة الشامسية: إن هذا النص يأتي حاملا قوالب رمزية وتعبيرية تتضمن البحث عن الذات، والرغبة في تحقيقها، مستعرضا الصراعات التي تدور بين الأنا وبين الآخر لتحقيق الهدف. واستند النص في مضمونه مجموعة من المضامين ذات الدلالة العميقة سواء على مستوى التاريخ، أو الأساطير، أو الأدبيات، ومنها القمر، والصحراء، والبئر، وما يرتبط بأساطير الصحراء القديمة مستفيدة منها في رسم الواقع. وفي مجمله فإن النص يشكل رسالة تنقد في ثناياها الواقع المرير الذي يعيشه الإنسان في هذا الزمن، وهو رهين الأطماع، والشرور، والخرافات، وما يتحتم عليه من عودة لنقطة البدء دون الاستفادة من الدروس والعبر التي مر بها.
وقد أشار المخرج جاسم البطاشي في تصريحه عن هذا العمل بقوله: نص (قمر وصحراء) ينتمي إلى المدرسة الواقعية، وقد تمت كتابته بطريقة رصينة محكمة، حيث استعرضت أحداثه بأسلوب طبيعي متسلسل كعمل مسرحي بكامل مشاهده وأحداثه. قمنا بالاشتغال على النص كحلقة مسرحية من خلال تفسير النص وإعادة كتابته على خشبة المسرح بطريقة مفسرة أكثر من كونها طريقة تنفيذية للنص المكتوب، ومن خلال الرؤية التفسيرية فقد تم الاعتماد على الصياغة العامة للنص من حيث المشاهد والحوارات والمعاني. القالب العام للرؤية الإخراجية التي اتبعها المخرج تتبع المدرستين الرمزية والتعبيرية، وقد ركز فيها على العنصر البشري، مستفيدا من مسرح الحالات ـ كما ذكر البطاشي - حيث تتغير وتتحول هذه الحالات بحسب المشهديات التي تم تشكيلها على خشبة المسرح، وبما يتناسب مع معطيات الفضاء المسرحي الموجود. أضف إلى ذلك أنه لم يعتمد على الأشياء المبهرة، وإنما قام باللعب بعبثية الأشياء والنماذج والعناصر الموجودة. وقد تفاعل الجمهور وبشغف مع أحداث وتفاصيل العرض المسرحي.

ندوة تطبيقية

بعد ذلك قدمت الندوة التطبيقية التي قرأت العرض المسرحي، اخذت الندوة التطبيقية لمسرحة (قمر وصحراء) حضورها، والتي عقب فيها كل من الدكتور سعيد بن محمد السيابي والدكتورة ليلى بن عائشة، حيث قال الدكتور سعيد: النص حمل دلالات كثيرة ولعل مصدره الرئيسي هو الحرية والانعتاق، وقد تميز على مستوى الكتابة بلغة جمالية أدبية، وفيها مسحة شعرية لجأت إلى توظيف التراث عبر أغنية "صحراء وقمر" ، ففن الوياد هو من فنون بادية ظفار ، مع تسجيل تغيرات كثيرة على مستوى النص بإضافة مقاطع العرض، ولكن المخرج وفق في هذه الإضافة لأنها كانت تحمل الكثير من الأفكار التي شكلت محور النص. ما يسجل على الشخصيات هو توظيف شخصية الساحر التي لم تكن موفقة باعتبار الدور الموكل له انه اضطلع بتقديم نبوءة ، والنبوءة عادة ما يقدمها العراف وليس الساحر، من الناحية الاخراجية اعتمد المخرج على الديكور البشري وعلى خيال الظل وكذلك الاضاءة .
فيما قالت الدكتورة ليلى بن عائشة : لقد اعتمدت الكاتبة على جملة من الثنائيات الضدية التي تشكل أساس النص وهي (النور والظلام ) (البياض والسواد ) (الشجاعة والخوف) (الحقيقة والوهم) (الحرية والاستعباد). كما أن الخطاب الديني في المسرحية كان واضحا لدى الناسكات فهو متطرق والناسكات لا يجدن سوى الابتهال والاختباء تحت ستار الدين ، والمفارقة أنها جاءت على لسان الحاكم الديكتاتوري المتفرعن وبالعادة بعض الأنظمة الغاشمة هي من تصنع الإرهاب والتطرف ، والمخرج أيضا كان وفيا لقيم وجوهر النص ولكنه لم يكن أسير الإرشادات الإخراجية ، النص كان يسير في السياق الكلاسيكي، حيث الديكور الطبيعي، شجرة في الصحراء أصوات حشرات .. بئر .. وفي الوقت ذاته أن المخرج اتخذ لنفسه خيارا جماليا وإخراجيا حداثيا أعطى للنص بعده الأعمق عبر السينوغرافيا وتصميم الإضاءة وأداء وحركات الممثلين. وأضافت الدكتورة ليلى أن جمالية التوظيف التراثي تكمن في استثمار الأغنية الوطنية التي جاءت في المسرحية من جهة وما تحمله من أبعاد وقراءات لا حصر لها ناهيك عن الأغنية الشعبية بأبعادها الميثولوجية والقصص الديني وما يحمله هذان الرافدان من قيم لا تزال مرتبطة بالوجدان الشعبي والمعتقد الديني وإن بدت مختلفة وأضفيت عليها مقاطع تخدم فكرة النص. واشتغل المخرج على الإضاءة بشكل كبير على مستوى صناعة المشهد الجمالي، وكانت قراءته واعية لمجمل المواقف الدرامية التي انطوى عليها العرض، فتصميم الإضاءة كان دقيقا ومدروسا تم على مستواه توظيفها بشكل جمالي فاعل غير مجاني ولا إبهاري. كما استثمر العرض البنى الإيقاعية والغنائية على حد سواء ، إذ حفر في الذاكرة الشعبية وانتقى من الأغاني ما له صلة بهذا الوجدان وصاغها بطريقة جديدة جمع فيها بين الإيقاع المبتكر الذي لا يخرج عن حدود المحلية التي تعكس طابعا معينا وهو الطابع العماني، مع صياغة أغان من رحم ما كان يؤدى، ناهيك عن أغان تتناسب وبعض المواقف الدرامية المؤثرة.