[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/samyhamed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سامي حامد[/author]
أخيرا أصبح لمصر برلمان منتخب وهو الاستحقاق الثالث والأخير لخارطة طريق ثورة الـ30 من يونيو التي ارتضاها الشعب المصري بعد سقوط حكم الإخوان والتي نصت على إجراء استفتاء على دستور جديد للدولة وانتخابات رئاسية، وأخيرا انتخابات برلمانية، لتنتهي بذلك ثالث مرحلة انتقالية عاشتها مصر على مدى 5 سنوات منذ فبراير العام 2011 شهدت خلالها ثورتين و5 حكام و3 مجالس نيابية و3 دساتير، وقد استمرت كل مرحلة انتقالية من المراحل الثلاث ما يقرب من 30 شهرا .. ونهاية ديسمبر الجاري يسلم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى مجلس النواب سلطة التشريع التي ظلت موكلة إليه منذ انتخابه رئيسا لمصر قبل 18 شهرا.
ونظرة وقراءة سريعة للانتخابات البرلمانية التي شهدتها مصر مؤخرا نجد أن نسبة إقبال الناخبين بلغت 28% وهي نسبة تخطت توقعات الكثير إلا أن الشيء اللافت في هذه الانتخابات أنها جرت في جو من النزاهة والشفافية، فلم نسمع للمرة الأولى أصواتا تتحدث عن وجود تزوير أو تسويد لبطاقات الانتخاب أو تغيير في النتيجة، وإن كان المال السياسي قد بدا ظاهرا في صورة تقديم بعض المرشحين للناخبين رشوة انتخابية وصلت في بعض الدوائر إلى ألف جنيه للصوت الواحد، وقد نجح الناخب المصري في إسقاط وجوه تنتمي للحزب الوطني المنحل محسوبين على نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في المقابل وقف الناخب بجانب ضباط جيش سابقين، وساعدهم على الفوز في هذه الانتخابات تقديرا لدور المؤسسة العسكرية.
اللافت أيضا أن هذه الانتخابات لم تكتب نهاية الأحزاب كما كان يراهن البعض، حيث نجح 20 حزبا في الفوز بـ250 مقعدا من مقاعد مجلس النواب، أما السقوط المروع لحزب النور السلفي فقد اعتبره البعض عقابا من المصريين لهذا الحزب الذي شارك في إعلان خارطة طريق ثورة الـ30 من يونيو، وفي نفس الوقت سمح لأعضائه بالاعتصام في ميداني رابعة العدوية والنهضة.
ويمكن القول إن برلمان مصر الجديد مختلف كليا عن جميع البرلمانات السابقة التي شهدتها مصر على مر العقود الأخيرة، فنظرة سريعة إلى تشكيلة أعضائه نجد أنه لأول مرة يدخل البرلمان 72 امرأة، فضلا عن 14 امرأة سيقوم الرئيس المصري بتعيينهم قريبا طبقا للدستور، حيث يحق لرئيس الجمهورية تعيين 28 عضوا نصفهم من النساء، وهذا العدد يعد انتصارا للمرأة المصرية التي وقفت في مقدمة الصفوف لثورة الـ30 من يونيو، كما أنها تصدرت طوابير الناخبين في الاستفتاء على الدستور والانتخابات الرئاسية والبرلمانية أيضا، ويبدو أن الناخب أراد أن يكافئها على دورها البطولي ونزولها إلى الميادين والشوارع يوم الـ30 من يونيو العام 2013.
والجديد ليس فوز هذا العدد الكبير من النساء بعضوية البرلمان، وإنما اكتساحهن وحصولهن على أعلى الأصوات في العديد من الدوائر الانتخابية في محافظات الدقهلية والشرقية والغربية ودمياط وبورسعيد .. كما أن البرلمان المصري الجديد شهد أيضا أعلى نسبة مشاركة قبطية، حيث حصل الأقباط على 35 مقعدا، وهو عدد لم يشهده أي مجلس نيابي في تاريخ مصر منذ ثورة الـ23 من يوليو العام 1952.. ومن المعروف أن المشاركة القبطية في البرلمان كانت مطلبا ملحا للأقباط في مصر منذ عقود باعتبارهم أحد جناحي النسيج الوطني المصري، وكان تجاهلهم يشعرهم دائما بالإحباط والاحتقان.
والشباب هم العنصر الثالث الجديد في برلمان مصر وقد حصدوا 39 مقعدا، وهو رقم يحدث أيضا لأول مرة في تاريخ المجالس النيابية المصرية، ما يعني أننا أمام برلمان مختلف لم تشهده مصر من قبل، وأن هناك فرقا شاسعا مثلا بين برلمان الحزب الوطني المنحل العام 2010 وبرلمان الإخوان العام 2012 وبرلمان ثورة الـ30 من يونيو الجديد .. فبرلمان 2010 أو ما يطلق عليه برلمان أحمد عز الذي كان سببا رئيسيا في انتفاضة الـ25 من يناير كان أعضاء الحزب الوطني المنحل يستحوذون على 99% من مقاعده، وهو ما أدى إلى احتقان في الشارع السياسي أسفر في النهاية عن إسقاط نظام حسني مبارك، ثم جاء بعده برلمان الإخوان، فكان لهم أيضا اليد الطولى فيه ومعهم الأحزاب الإسلامية الراديكالية إلى أن تم حله بقرار من المحكمة الدستورية العليا لعدم دستورية قانون الانتخابات الذي جرت على أساسه انتخابات هذا البرلمان.