[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
”.. مؤخرًا، وفي تَحَدٍّ لحركة لحماس جاءت مقاطع الفيديو الأخير لتنظيم داعش والموجه لقطاع غزة وحركة حماس، والذي تم نشره عبر وسائط التواصل الاجتماعي في شهر يونيو/حزيران الماضي 2015، حيث ظَهَرَ شخص مُقنّع وفي رسالة موجهة إلى الحركة هدد حركة حماس بالتصفية والقتل، مُذكرًا بالهجوم الذي شنه على مخيم اليرموك في ريف دمشق.”

بعد سنواتٍ قليلة من المواجهة المسلحة بين القوة الأمنية التنفيذية التابعة لحركة حماس في قطاع غزة والمجموعة السلفية التي أَطلَقَت على نفسها مجموعة (جند الله) بقيادة الدكتور عبداللطيف موسى (أبو النور المقدسي) والتي أعلنت في حينها عن قيام "الإمارة الإسلامية" منتصف آب/أغسطس 2009 في رفح جنوب القطاع، عادت تلك المجموعة عبر أفرادٍ منها لتنشط من جديد ولكن بثوبٍ آخر، بالرغم من قضاء حركة حماس على تلك المجموعة في المواجهة التي جرت في حينها ومقتل زعيمها أبو النور المقدسي ومعه أبو عبدالله السوري وكامل أعضاء المجموعة.
فبعد ست سنوات كاملة تعود الممارسة نفسها، ولكن من البوابة الإقليمية وعبر عنوان (داعش). فبعض السلفيين الغزيين (على قلة عددهم) خرجوا من قطاع غزة بعد تلك الحادثة، وباتوا مؤخرًا منضوين في إطار تنظيم داعش، وقد عملوا على استحضار رمزهم أبو النور المقدسي وأبو عبدالله السوري، حيث تواترت المعلومات التي تُشير لتعيين (أبو منصور الغزاوي) واليًّا في مناطق سيطرة تنظيم الدولة (داعش) بين العراق وسوريا ومعه (أبو خباب الغزاوي)، وهذان الاثنان كانا من قيادات مجموعة أبو النور المقدسي التي قضت عليها حركة حماس في القطاع صيف العام 2009. هذا التعيين على ناحية مهمة منه يؤكد العلاقات التنظيمية التي باتت تربط بين تنظيم داعش وسلفيي غزة.
ومؤخرًا، وفي تَحَدٍّ لحركة لحماس جائت مقاطع الفيديو الأخير لتنظيم داعش والموجه لقطاع غزة وحركة حماس، والذي تم نشره عبر وسائط التواصل الاجتماعي في شهر يونيو/حزيران الماضي 2015، حيث ظَهَرَ شخص مُقنّع وفي رسالة موجهة إلى الحركة هدد حركة حماس بالتصفية والقتل، مُذكرًا بالهجوم الذي شنه على مخيم اليرموك في ريف دمشق، والذي قاتل فيه تنظيم داعش فلسطينيين بعضهم ينتمي لحركة حماس تحت عنوان أكناف بيت المقدس. وفيه أيضًا تهديد من تنظيم الدولة (داعش) بجعل قطاع غزة واحدًا من مناطق نفوذه في الشرق الأوسط، مُتهمًا حركة حماس التي تَحكُم القطاع بأنها غير جادة بما يكفي بشأن تطبيق الشريعة الإسلامية.
لقد جاء توقيت بث الشريط الفيديو إياه، متناغمًا مع سلسلة من العمليات العنفية التي ضربت المنطقة منطقة سيناء المصرية في حينها، في محاولة إدخال غزة في حزام عمليات تنظيم الدولة (داعش)، والأهم من ذلك أن شريط الفيديو تناول بتهديده ما أسماهم "طواغيت حماس" ومعهم حركة فتح وكل الفصائل الفلسطينية وخاصة العلمانيين، وفي ذلك تكفير عموم تنظيمات وفصائل وأحزاب المقاومة الفلسطينية وإباحة دمها. عدا عن الشريط الأخير الذي تم توزيعه بعد ذلك في منطقة القدس في الضفة الغربية وفيه تهديد لبعض المكونات الأصيلة في النسيج الوطني والمجتمعي الفلسطيني، وهو شريط لم يثبت حتى الآن أن داعش وراء توزيعه حيث لم يصدر تأكيد من التنظيم بشأنه، كما كان حال الشريط الأول المتعلق بقطاع غزة.
إن خصوصية الساحة الفلسطينية وفرادتها قد أفرز معطيات غير شبيهة بالمعطيات التي وفرت التربة المناسبة لانتشار خيوط تنظيم الدولة (داعش) في العديد من البلدان، حيث بات الإسلام الوسطي المُعتدل والمجاهد ضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين جزءًا من المعادلة السياسية الفلسطينية في إطارات العمل الوطني الفلسطيني، وفي الشارع الشعبي عمومًا. فقد فشلت في السابق كل المحاولات اليتيمة التي قام بها تنظيم القاعدة (قبل نشوء داعش) لزرع وجوده في فلسطين عبر بعض البيانات المُذيلة بتوقيع تنظيم القاعدة في فلسطين، والتي تم توزيعها بشكل محدود في قطاع غزة منذ عدة أعوام خلت، وأثارت في حينها مجموعة من التساؤلات عن مدى الحديث الجدي عن وجود تنظيم للقاعدة في فلسطين كما كانت وما زالت تروج المصادر الأمنية "الإسرائيلية".
إن محاولات تنظيم القاعدة اليتيمة للانتشار في الداخل الفلسطيني بدأت بوادرها مع ظهور مجموعات تناسلت أو جاءت من رحم تنظيم القاعدة بعد عامين ونيف من انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الثانية، وظهر الإعلان الأول عن تشكيل مجموعات للقاعدة في فلسطين في قطاع غزة عبر بيان تم توزيعه بقطاع غزة وتَضَمنَ النص التالي: "تم بحمد الله تشكيل مجموعة الجيش الإسلامي التابع لتنظيم القاعدة في أرض الرباط ضد الاحتلال الغاصب، تلبية لله ولكلام الشيخ المجاهد أسامة بن لادن والشيخ أيمن الظواهري والشيخ المجاهد أبي مصعب الزرقاوي، سنستهدف كل عدو للإسلام والمسلمين، وسنضرب بيد من حديد كل الحملات الأميركية والصهيونية، ونفجّر بأجسادنا كل مواقعهم ونزلزل الأرض من تحت أقدامهم وسنعرض على شاشات التلفاز صورًا لمجموعاتنا المقاتلة حتى يعرف أعداؤنا أننا لا نتهاون وأننا جدّيون بأفعالنا"، فتم بذلك تأسيس مجموعة عسكرية في المحاولة اليتيمة للقاعدة تأتمر بأمرها، وفي بيان التأسيس المشار إليه أعلاه، والذي صدر في الثامن من أيار 2006، ولم يتم التعاطي معه بجدية واهتمام. وظهر الإعلان الثاني عن وجود مجموعات من القاعدة في فلسطين في الثاني من آب/أغسطس 2007، مع إعلانات وأفلام تبشر ببدء نشاط تنظيم كتائب الجهاد في فلسطين "تنظيم قاعدة فلسطين"، لكن كل تلك البروباجندا الإعلامية انتهت وانتهى معها الحديث عن وجود تنظيم القاعدة في فلسطين.
أخيرًا، إن تنظيم الدولة (داعش) يقف أمام إستعصاء غزة وعموم الأرض الفلسطينية، فالأجواء الفلسطينية العامة في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وحتى داخل مناطق العام 1948 على حدٍّ سواء، التي لا تساعد على نمو وانتشار الظواهر إياها، والفلسطينيون ليسوا بحاجة لوصفات قادمة من الخارج، والبيئة الفلسطينية في الداخل لا تساعد على نمو اتجاهات تصطدم مرة جديدة بخصوصية الوضع الفلسطيني المُثقل بالتجارب والآلآم، والمُشبع بالتعددية، والطامح نحو الديمقراطية الداخلية في سياق مشروعه الوطني المتواصل منذ عقود طويلة من الزمن.