تتعطل مصالح المواطن ويتردد هنا وهناك و يُصبح التسويف العنوان الأبرز والحاضر في المشهد . فقد ولدت لجنة جديدة انضمّت الى سابقاتها.إن أكثر الجُملِ تداولا ، وأكثرها تشاؤما لدى المواطن هي "راجعنا بعد شهر المعاملة لدى اللجنة الفلانية "..... "سيتم تشكيل لجنة لبحث الموضوع "، فهي تحمل معنى واحدا بأن الامر سيستغرق مدة طويلة، ولن تكون هناك وسيلة للمتابعة واستعجال الموضوع ، ولهذا علماء الادارة اللاحقون كان لهم جانب الصواب ، فلم يترددوا في تبني مقولة " اذا أردت أن تقتل موضوعا فشكّـل لـهُ لـجنة" ، بينما ذهب المفكرون الى القول" اللجان هي كزوايا الشارع المظلمة حيث تقتل الأفكار وتُسبى المشاريع " .
دعونا نسبُرأغوار موضوع اللجان وكيف استفحل أمرها في إداراتنا العربية على وجه العموم ووحداتنا الحكومية على وجه الخصوص، حيث أصبحت جلّ الأعمال ُتدارعبر اللجان وليس من خلال الاختصاصات الاصيلة الموكلة لها.... وهكذا بدأت ، عندما تقع إي وحدة حكومية في مأزق غير متوقع أوموضوع يبدو معقدا أو مشكلة يراد لها الحل أو ترى احيانا هذه الوحدة ضرورة تشكيل لجان متعددة الجهات بداعي التنسيق وحماية نفسها من الوقوع في أي اخطاء أوتريد أن تكسب بعض الوقت لتُعيد حسابتها، فتلجأ الى ما يسمى باللجنة ، لأنها تعتقد جازمة بأنه الحل الجاهز والاسهل .فأصبح تشكيل اللجان بداعي الضرورة أو بدون ، فازدهرت وتعددت أسماؤها وتنوعت وظائفها من لجان دائمة ومؤقتة ولجان فنية ولجان وطنية ، تنشأ و تختفي فجأة ،وهي ظاهرة منتشرة في أي وحدة حكومية سواء على مستوى الادارة العليا أو الادارة الوسطى .
إن كان الهدف من تشكيل هذه اللجان حل المشكلات التي قد تطرأ أولإنجازالاعمال أو لتأمين اتخاذ القرارات الصحيحة من خلال أعضاء اللجان ، فالأمر لا يستقيم لأن غالبية هذه اللجان تذهب الى منحى آخر ابتداء من تعقيد وبطء الاجراءات و تكريس الروتين وتطويل مدد انهاء المعاملات وانتهاءٍ بالخروج عن أهداف تشكيل هذه اللجان ، والتوصل الى نتائج غير واقعية وفضفاضة تفتقد الى آليات التنفيذ والمتابعة ، و منها ما يسلك في نفق مظلم عبر تشكيل لجان فرعية وفرق عمل فنية ، وهكذا ..... في دوامة تصل الى سنوات ، حتى تكاد أن تنسى الهدف الرئيسي من تشكيل اللجنة الرئيسية .
واقع الامر كلما زاد عدد اللجان قل معه التنفيذ ودفنت معه مواضيع هامه تمس حاجة المواطن ومتطلباته الحياتية ، والأفراط في انشائها لا يتماشى مع منطق الادارة الحديثة ، لأنهاتحمل معها جوانب سلبية ومعوقات ادارية منهاما ينبئ بعدم قدرة الوحدة الحكومية على ادارة اعمالها بطريقة ادارية صحيحة وسريعة، فهي تتحرك وفق مقررات ومخرجات هذه اللجان، كما إنهذه اللجان تستنزف وقتا كبيرا لإحراز تقدما والتوصل الى نتائج عملية ، فهي تتطلب العديد من الخطوات الاجرائية ،اضافة الى مقدارالوقت الذي يقضيه المسؤول في عضوية هذه اللجان المتعددة او ترأسه لها. حيث تشير الدراسات الحديثة أن اكثرمن 40% من وقت هذا المسؤول مكرس لحضور اجتماعات هذه اللجان، في حين هذا الوقت أولى أن يكون لأنهاء معاملات هامة للمواطن، علاوة على ذلك هذه اللجان سوف تشغل هذا المسؤول عن اعمال وحدته التي يعمل بها والتي تتطلب التطوير والاشراف دوما.لذا يجب التقنين في انشاء اللجان ما استطعنا وفي اضيق الحدود فهي تشكل بداعي ضمان الحيادية والموضوعية والشفافية كحال لجان التوظيف ولجان المناقصات الداخلية .. وغيرها .

خالد بن عبدالله العبري
كاتب وباحث
[email protected]