[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
”في أسطر معدودة وكلمات محدودة لخص الكاتب عصرا بأكمله، وتأتي الفصول بعد ذلك متضمنة تفصيلا وشرحا لتلكم الأسطر. وفي أسلوب ذكي ومحكم وعرض شيق وممتع تطرق الكاتب في الفصل الأول من الكتاب (التلميذ والأستاذ) عبر شخصية كل من التلميذ ممثلة في (السلطان)، والأستاذ حفيظ بن سالم الغساني (معلم السلطان الأول) – تطرق - لمرحلة ما قبل النهضة وكيف كانت حياة العمانيين ونمط معيشتهم...”

ــــــــــــــــــــــــــ
في لقائي الأخير بالأستاذ عاصم رشوان أهداني نسخة من كتابه القيم (قابوس سلطان أم صاحب رسالة) وكنت متلهفا إلى قراءته واستطلاع ما تضمنته محاوره ليقيني أن مؤلفه صاحب قلم وقارئ فطن وشخصية محنكة قادرة على تقديم رؤية متكاملة عن مختلف الملفات ذات العلاقة بكتابه ومن ثم ابراز الكثير من الحقائق المرتبطة بالشأن العماني وان يقدم لمتابعي كتاباته قراءة دقيقة عن فلسفة السياسة العمانية التي أسس قواعدها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ كيف لا وهو الذي عاش في عمان ما يقارب الثلاثة عقود من الزمن كان فيها كاتبا بارعا وإعلاميا متمرسا في عمله ومتابعا ومراقبا وناقلا لكل ما يحدث في عمان من تطور في مختلف المجالات ... لقد صاغ الاستاذ عاصم رشوان عناوين كتابه بأسلوب أدبي بارع يحفز القارئ على قراءة كتابه كلمة كلمة، ومنهج يليق به ككاتب حصيف قادر على توظيف لغته والارتقاء بكلماتها وهو يتحدث عن سلطان استثنائي في عصر عربي استثنائي وقد نجح الكاتب في ذلك أيما نجاح، فعندما تخرج عناوين الكتاب بهذا الإبداع في الاختيار والتوظيف اللغوي الدقيق لوصف وعرض وتقديم مسيرة نهضة شاملة قادها سلطان صاحب رسالة فلا شك بأن الكتاب لن يكون كغيره من الكتب العادية التي تطالعنا بها الصحف ووسائل الإعلام بشكل يومي، فلنعرج على بعض من تلكم العناوين تأكيدا وتدليلا على ذلك: (التلميذ والأستاذ - جرعات الديمقراطية - بين السيوح والقصور – تفعيل النصف الآخر - الحدث والدلالة – قراءة في فكر السلطان - بصمات كونية – قصة حب – حديث الأرقام – مسارات المستقبل) فيما ألحقها بعناوين أخرى لملحق الصور لا تقل اثارة وتميزا وتشويقا، وتعبر في الوقت ذاته عن مسيرة بناء ونمو وتطور ( الطفل .. الشاب .. الضابط .. القائد والمعلم – لقاءات مباشرة بين قابوس ومواطنيه - السلطان .. الإنسان .. المواطن ... ) . من يطالع هذه العناوين الآسرة والجذابة ويتعمق في دقة الاختيار سيتساءل عن الدلالات ويبحث في قاموس اللغة العربية عن المعاني والتفسيرات, وسيواصل تساؤلاته ...ان كانت العناوين بهذا التألق والتشويق والاثارة فكيف بمضمون ومحتوى كل عنوان ؟ وهل سيعكس العنوان مضامينه ومحاوره؟ فيتضاعف شوقه وترتفع رغبته تباعا في القراءة والاستطلاع, وهو ما حدث معي فعلا. تكشف مقدمة كل كتاب أو مدخله غايات الكاتب من إعداد كتابه, وتقدم لنا كقراء الدوافع التي أملت عليه القيام بتنفيذ مشروعه المؤسس دون شك على قواعد وحيثيات يمتلكها الكاتب، وهو ما أفصح عنه الأستاذ عاصم رشوان، حيث عبر عن ذلك في كلمات فصيحة واضحة لا لبس فيها و لا ( مبالغة من جانبه أو تعاطف أو انحياز بقدر ما هو حقيقة ... ) إذ يمتلك الرجل من ( الحيثيات ما يعززها .. ) متحاشيا (الحديث الاستعراضي عن المنجزات الاقتصادية إلا بالقدر الذي يسمح للقارئ الكريم بإطلالة سريعة على حقيقة الماضي العماني دون إفراط في المديح أو تفريط في الإنصاف)، وهذا فعلا ما عرفته عن ثقافة وطبيعة شخصية الكاتب. وكتابه إنما يأتي لإلقاء الضوء على (شخصية السلطان قابوس وفلسفته وأفكاره ومواقفه ورسائله بأبعادها المتنوعة التي تضعه ... ) باعتقاد الكاتب (ضمن أعظم القادة ليس على الصعيدين العربي والإقليمي فحسب، إنما أيضا ضمن النطاق الكوني الأكثر شمولا) مؤكدا على أن (النهضة العمانية المعاصرة غالبا ما يتخذ المحدثون عنها الطابع المادي عنوانا بارزا لمقدماتها ونتائجها بينما يتناسون، ربما عن غير قصد، الجانب الإنساني للرجل الذي قاد هذه المسيرة بحكمة واتزان). وهنا أفصح الكاتب بكل وضوح ودقة عن أهم هدف من أهداف مشروعه المتمثل في القاء الضوء والتركيز في كتابه على (الجانب الإنساني) لجلالة السلطان – حفظه الله ورعاه – وأجزم بأن مقدمة الكتاب اشتملت على ملخص أو موجز لفصوله ومحتواه، ففي جزء مهم منها يقول المؤلف تأكيدا لهدفه وتفصيلا لغرضه ( اعتقدت لأسباب عديدة ذاتية وموضوعية أن الوقت قد حان للإدلاء بشهادة حق في الإنسان البسيط، المواطن العماني قابوس بن سعيد الذي نجح في إعادة صياغة مجتمعه محتفظا له بأمنه واستقراره صاهرا إياه في بوتقة وحيدة تندمج فيها كل المكونات والأطياف بما يجعله أهلا لمواجهة تحديات المستقبل صفا واحدا أخذا بيده دون حرق للمراحل من التخلف إلى التقدم في دولة قوامها العدل وسيادة القانون والديمقراطية ... ). في أسطر معدودة وكلمات محدودة لخص الكاتب عصرا بأكمله، وتأتي الفصول بعد ذلك متضمنة تفصيلا وشرحا لتلكم الأسطر. وفي أسلوب ذكي ومحكم وعرض شيق وممتع تطرق الكاتـب في الفصل الأول من الكتاب (التلميذ والأستاذ) عبر شخصية كل من التلميذ ممثلة في (السلطان)، والأستاذ حفيظ بن سالم الغساني (معلم السلطان الأول) – تطرق - لمرحلة ما قبل النهضة وكيف كانت حياة العمانيين ونمط معيشتهم ليمكن القارئ من اسقاط مشاهد ما قبل السبعينيات التي صاغها الأخ عاصم على لسان الاستاذ حفيظ في لقاء صحفي جمعه به في العام 1989 - ليسقطها - ويقارنها بحياته في العام 2015 على ضوء ما يشهده وطنه من رخاء وازدهار، مقدما جرعة أولية للشباب العماني والعالم عن مظاهر البعد الإنساني لقائد النهضة المباركة التي برزت سماتها مبكرا بحسب ما جاء على لسان الاستاذ الغساني الذي أعطى وصفا دقيقا لشخص جلالته في حديثه الذي نستقطع جزءا منه على النحو التالي: (كان متواضعا منذ نعومة أظافره حاله حال الآخرين من أبناء هذا الشعب الذي يتخذ من الطيبة والأخلاق الحميدة والسلوك الحسن عناوين بارزة لمسيرته الحضارية الممتدة. أهل صلالة من ذاك الزمن البعيد لا يزالون يتذكرون هذا الطفل الخلوق حين يخرج من منزل ((أستاذه)) منهيا دروسه اليومية يقطع الشوارع سيرا على قدميه, من خلفه خادماه وحقيبته ((الثقيلة)) أنهكت كتفه ...). (عند مشارف الثالث والعشرين من يوليوا 1970م كيف بدأ المشهد العماني حينها؟ كانت مسقط ((مدينة مسحورة)) لا يجوز الدخول إليها أو الخروج منها بعد الثامنة مساء. أبوابها موصدة على من فيها، فلا الراغبون بالدخول عاد بإمكانهم أن يطرقوها ليؤذن لهم ولا ((المشتهون)) للخروج صاروا قادرين على تجاوز الأسوار أو التسلل عبر بوابات الحراسة .... ) (ليس افتراء على الحقيقة أو انتهاكا لحرمتها إن قلنا بأن يوما جاء فيه السلطان قابوس إلى مقعد الحكم قبل خمسة وأربعين عاما من الآن كان هو صافرة الانطلاق في ماراثون السباق باتجاه الموكب الحضاري الذي تخلف عنه العمانيون كثيرا لظروف خرجت عن دائرة الإرادة وملابسات لم يكونوا أطرافا في لعبتها ...) (لكن القادم من رحم المعاناة بدا أقوى مما تخيل الكثيرون حيث تبدت رجاحة عقله في فرز الأولويات، كان حازما وهو يجري جراحته في الجسد العماني ليعيد إلى بنيانه الصحة والتعافي .. ) (وليس افتراء على الحقيقة أو انتهاكا لحرمتها إن ادعينا، وهو ادعاء صحيح بأن ما فعله قابوس على أرض عمان هو انتصار على المستحيل، فرغم صلف الطبيعة وعجرفة التضاريس فقد ركعت صاغرة لمصداقية التلاحم بين القيادة والجماهير ..) (ولأن حبلا سريا نسيجه الثقة والحب هو الذي يربط بين قابوس وشعبه، فقد وجدت دعواته آذانا مصغية وضمائر متيقظة ..) لقد تمكن الكاتب في الفصل الثاني (المشهد العماني) من توظيف مخزونه اللغوي الثري في تقديم صورة دقيقة وعبر كلمات موجزة فصيحة عن حال عمان قبيل النهضة المباركة وكيف كان العمانيون يعيشون حياتهم، وكيف تمكن قائد المسيرة من تغيير وجه وطنه من حال البؤس والفقر والجهل فتغلب على كل التحديات بما فيها (صلف الطبيعة وعجرفة التضاريس) لغة مشوقة وعبارات آسرة وكلمات منتقاة باحترافية صورت مشهد المراحل الثلاث بكل تفاصيلها للقارئ (ما قبل النهضة) و(انطلاقتها) وما (بعد الانطلاقة) وقد وفق الكاتب أيما توفيق في تحقيق غايته. في الفصول: الثالث (المؤسسات وسيادة القانون) والرابع (جرعات الديمقراطية) والخامس (آفاق جديدة) واصل الكاتب تحليلاته واستمر في تقديم قراءات دقيقة عن حركة ونمو وتطور مسيرة العمل المؤسسي في السلطنةـ وأبحر في نصوص النظام الأساسي باحثا مجتهدا منقبا عن الدلالات والمفاهيم والخصوصية العمانية والمبادئ والقيم الموجهة لسياسة الدولة في مختلف الحقول والمجالات. مستندا على القوانين والمراسيم والكلمات والتوجيهات التي صدرت وأعلنت من قبل جلالة السلطان، وعلى المتابعة الدقيقة للممارسة العملية ممثلة في تطور الانتخابات وبروز دور المؤسسات والنقابات العمالية ومشاركة المواطن في اتخاذ القرارات عبر ممثليه في المجالس وتعزيز دور المرأة في المجتمع واسهاماتها الملموسة، مازجا كل ذلك بالتحديات الخارجية وظروف المنطقة والتطلعات الداخلية وقدرة جلالته ورؤيته الحكيمة في توظيفها لما فيه خدمة عمان وشعبها وبما يعزز (دور المؤسسات وسيادة القانون). في الفصل السادس (بين السيوح والقصور) ألقى الكتاب الضوء على جولات جلالة السلطان في محافظات وولايات السلطنة وسيوحها، كاشفا عن المعاني والدلالات القيمة، متتبعا تلك الجولات الواحدة تلو الأخرى ومتحدثا عن أثرها ونتائجها الإيجابي على التنمية في أسلوب توثيقي رائع وربط هذا النهج السامي الفريد بالبعد الانساني للسلطان الذي ظهر مبكرا بحسب ما جاء في الفصل الأول ونما وتطور وتعمق كما نلمسه في الجولات السامية. في الفصل السابع (تفعيل النصف الآخر) أبان الكاتب عن مكانة المرأة في فكر السلطان وما وجدته من دعم وتشجيع وما تحصلت عليه من حقوق وامتيازات، متتبعا تلك الانجازات بالاستناد على الأرقام والبيانات وعلى القوانين والنظم والنصوص التشريعية التي فعلت بكل صدق (النصف الآخر) فأصبحت إسهامات هذا النصف حقيقة تتحدث عنها المشاهد والأرقام والوقائع التي تعرض لها الكاتب بالتفصيل. تجربة الأجواء المناخية التي مرت بها السلطنة وما صاحبها من صور التلاحم والإدارة الناجحة في التعامل مع الحدث تستحق الرصد والقراءة، وتحمل من الدروس والقيم والدلالات ما حمل الكاتب لأن يفرد لها عنوانا مستقلا (الحدث والدلالة) باعتبارها نتاجا طبيعيا لثقافة الحكم ومنهج السلطان صاحب الرسالة. على ضوء الفصول الثمانية التي تتابعت بشكل منطقي وأسلوب منهجي مدروس قدم الكاتب في الفصل التاسع (قراءة في فكر السلطان)، نتاج قراءاته وتحليلاته ملقيا الضوء على ملامح السياسة العمانية التي أرسى دعائمها ووطد أركانها جلالة السلطان – حفظه الله ورعاه – في جملة من المواقف والكلمات والخطوات والتوجيهات السامية التي مثلت تلك السياسة أفضل تمثيل وكانت صمام أمان وعنصر استقرار والدافع الحقيقي لما تشهده عمان ومجتمعها من تنمية ورخاء وتعايش ووحدة وطنية ونجاح على المستويين الداخلي والخارجي. وواصل الكاتب في فصوله الأخيرة (بصمات كونية – قصة حب – حديث الأرقام – مسارات المستقبل – والخاتمة) قراءاته العميقة وشهادته الأمينة كما أكد على ذلك، مقدما صورا معبرة وأرقاما معززة ومواقف نادرة لنجاح السياسة العمانية وتفردها وتميز فكر السلطان الذي يرسم تلك السياسة ورؤيته السديدة التي جنبت عمان الصراعات والحروب والفوضى والمنزلقات التي تشهدها المنطقة. قراءة حصيفة، قلم محترف، لغة راقية، كتاب قيم يذكرنا بكتابات الكبار الذين رحلوا عن عالمنا.