**
تحيط بأمتنا العربية الكثير من التحديات وهناك ملفات شائكة عديدة مفتوحة على مصراعيها أمام المجتمع الدولي تنتظر حلا جذريا سواء في سوريا أو اليمن أو ليبيا أو العراق أو لبنان وغيرها .. وللأسف وسط هذا الخضم من القضايا الساخنة غابت القضية الفلسطينية عن بؤرة الاهتمام وأصبحت انتهاكات العدو المحتل أخبارا يومية اعتاد عليها العرب والفلسطينيون أنفسهم يقابل ذلك تعتيم إعلامي دولي على هذه الانتهاكات فلا يتم إذاعتها على أي من القنوات العالمية وهذا بالطبع متعمد خاصة أن معظم هذه القنوات تقع تحت سيطرة اليهود وذلك كي تتيح للدولة الصهيونية أن تعيث فسادا في الأراضي المحتلة كيفما تشاء وتفعل ما يحلو لها .. لذلك نراها يوميا تقتل المواطنين الفلسطينيين بدم بارد وتسمن مستوطناتها على حساب أراضي ومنازل وممتلكات الفلسطينيين.
ومؤخرا حصلت فلسطين على استحقاق أممي جديد حيث اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة مشروع قرار يمنح الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير وقد صوتت 177 دولة لصالح القرار في الوقت الذي عارضته 7 دول وامتنعت 4 عن التصويت ليضاف بذلك هذا القرار لقائمة القرارات السابقة الطويلة والتي تضم العشرات الصادرة في جنيف ومدريد وجامعة الدول العربية وغيرها ولم ينفذ منها واحد على أرض الواقع وهو ما يجعلنا نتساءل عن مصير القرار الجديد هل سيظل حبرا على ورق أم سترضخ إسرائيل له وتسمح بتنفيذه ؟.
بالطبع الإجابة معروفة مسبقا فالدولة الصهيونية لا تريد للفلسطينيين أن يحصلوا على أي حق لهم ولن تسمح لهم بتقرير مصيرهم لأن ذلك يعني أن تكون له دولته المستقلة وفتح الأبواب أمام عودة اللاجئين وهو ما لا ترغب إسرائيل في حدوثه فهي تريد أن تكون المهيمن على شئون الأراضي المحتلة وكل المؤشرات تدل على أنها تريد احتلال كامل الأرض وأنها لا ترى للفلسطينيين حقا فيها.
إن القرار الأممي الأخير يؤكد على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي دون تأخير وتحقيق تسوية سلمية عادلة ودائمة وشاملة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي استنادا إلى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومرجعيات مدريد بما في ذلك مبدأ الأرض مقابل السلام، ومبادرة السلام العربية، وخارطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعية، لإيجاد حل دائم للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني على أساس وجود دولتين .. ويشير إلى أن الجدار العازل الذي شيدته الدولة المحتلة يعوق حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير .. وجميعها بنود عظيمة وممتازة ولكن مشكلتها أنها لا تتجاوز الورق الذي كتبت عليه فما فائدة الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ولا ينفذ هذا الحق على الأرض !.
لاشك أن الأهم من الحصول على إقرار أممي بالدولة الجديدة هو وجودها بشكل فعلي وبصورة مستقلة ذات حدود وسيادة .. فكم من قرار أممي لم تلتزم به إسرائيل ومضت قدما في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي دون أن يحرك أحد ساكنا.. إلى جانب أنها تخنق معيشة الفلسطينيين وتمنع عنهم الكثير من البضائع وتحجم النمو الاقتصادي له بالإضافة إلى أن ارتفاع الأسعار يحيل حياة معظم الشعب الفلسطيني إلى جحيم فالوضع مأساوي ولا يحتمل المزيد من سياسة غض الطرف التي يتبعها المجتمع الدولي.
إن وتيرة الانتهاكات التي يقوم بها الصهاينة زادت عن الحد .. فالاستيطان يتمدد ضاربا بكل القوانين الدولية عرض الحائط ، واقتحامات المسجد الأقصى المبارك تتكرر يوميا تحت حماية جيش وشرطة الاحتلال من قبل المستوطنين واليهود المتشددين، والاعتداء على المصلين والمرابطين بالمسجد وحتى المواطنين في بيوتهم يزداد شراسة .. وبالرغم من ذلك لا نسمع عن إدانة أو قرار يوقف تلك الانتهاكات عند حدها ويجبر دولة الاحتلال على العودة لطاولة المفاوضات والالتزام بالشرعية الدولية.
لاشك أن اعتراف المجتمع الدولي بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير دليل على أن الغشاوة التي كانت تعمي بصره بدأت تنقشع ليظهر الوجه القبيح لبني صهيون ويحمله مسئولية ما وصلت إليه القضية المزمنة من وضع مترد.
لقد آن الأوان لفضح الممارسات القمعية والانتهاكات الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني حتى نضع المجتمع الدولي أمام مسئوليته في الضغط على بني صهيون لمنح الفلسطينيين حق العيش في كرامة .. ويعتبر المؤتمر الدولي الأول لمنتدى القانونيين والحقوقيين العرب الذي سيعقد أواخر الشهر الحالي في مدينة الغردقة المصرية خطوة على الطريق الصحيح كونه سيعمل على توثيق وتوصيف الانتهاكات الإسرائيلية في القدس المحتلة والمسجد الأقصى خلال 2015 والإجراءات التي قامت بها دولة الاحتلال الاسرائيلي في ضوء قواعد القانون الدولي والمحكمة الجنائية الدولية ليكشف بذلك النقاب عن هذه الانتهاكات أمام المجتمع الدولي.
نتمنى من قلوبنا أن يترجم القرار الأممي الأخير لواقع ملموس فيملك الشعب الفلسطيني حق تقرير مصيره وينعم بدولته المستقلة ذات السيادة والحدود .. فهذا القرار ليس نهاية المطاف بل هو بدايته ويضاعف المسئوليات الملقاة على عاتق الفلسطينيين للحصول على المزيد من الاستحقاقات حتى يتحقق لهم ما يسعون إليه لأنه لا يضيع أبدا حق وراءه مطالب.

* * *

الرسول الهادي .. القدوة الغائبة
كل عام تحل ذكرى مولد نبينا المصطفى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وتمر على البلاد الإسلامية مرور الكرام حيث يقوم المسلمون في هذه الذكرى بترديد بعض الكلمات البسيطة للثناء والصلاة على الرسول الكريم والتي لا توفيه حقه وفضله وتضحياته في سبيل توصيل الرسالة الإلهية للبشرية.
إن من يتأمل سيرة الرسول الهادي يجد أنه نقل البشرية من غياهب الجهل والتخلف والعبودية إلى فضاء النهضة والحرية والحضارة .. فقد استطاع في سنوات قليلة أن يضع دستور المدينة الفاضلة وينشئ دولة قائمة على العدل والشورى والمساواة والإخاء والتسامح والمحبة وعندما سار المسلمون الأوائل على نهجه تحقق لهم الريادة وسيادة العالم بينما تراجعوا وسقطوا في مستنقع التأخر مرة أخرى بعدما تخلوا عن مبادئه وأوامره.
للأسف هناك الكثير من المسلمين لا يقدرون قيمة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ولا الدور العظيم الذي قام به .. فالآباء مشغولون باللهاث وراء لقمة العيش والأبناء لا يتركون الهاتف النقال والحاسوب المحمول من أيديهم والجميع يعيش داخل المنزل كالجزر المنعزلة رغم أنه من المفترض أن تجمعهم مثل هذه المناسبات لتبادل الأحاديث حول السيرة النبوية الشريفة وما مر بها من أحداث هامة يجب أن يتدارسها الصغار كي يستفيدوا منها في حياتهم ومستقبلهم .. والأدهى والأمر أن الآباء أنفسهم لا يحرصون على اتباع الكثير من السنن التي أصبحت مهجورة رغم أن العالم الحديث يكتشف يوما بعد يوم ما فيها من فوائد دنيوية عظيمة سواء على صحة الإنسان الجسدية أو النفسية هذا إلى جانب فوائدها الأخروية في نيل رضا الله سبحانه وتعالى.
أما المناهج الدراسية فلا تتناول من سيرة رسولنا العظيم ومواقفه الشجاعة والحكيمة والعادلة سوى النذر اليسير رغم أنه يجب أن يقف الطلاب على أخلاق ومناقب الرسول كي يقتدوا به في كل تصرفاتهم فلا نتركهم فريسة للممثلين والمطربين يتحرون أخبارهم ويقلدونهم تقليدا أعمى ويتخذونهم مثلا أعلى.
أما وسائل الإعلام فحدث عنها ولا حرج حيث إنها مشغولة بالسجالات والمناوشات بين الضيوف الفرقاء في البرامج الحوارية ولا يتم التركيز على سيرة الرسول إلا بعض البرامج القليلة جدا أو شبه المعدومة.
حري بالمجتمعات المسلمة وهي تحتفل بميلاد الرسول الكريم أن نقرأ سيرته جيدا كي نستقي العظة والعبرة منها فيما يعود عليها بالخير .. كذلك يجب أن نحث شبابنا على الاقتداء بخير البرية في سلوكياته وأخلاقياته واتخاذ سننه منهجا للحياة حتى ينعموا بسعادة الدارين.
لاشك أننا في الوقت الراهن والذي تمر فيه أمتنا الإسلامية بالكثير من المحن أحوج ما نكون إلى اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم حتى نخرج من حالة التشرذم والفرقة التي نحن فيها .. خاصة أن المخططات الخبيثة تحاك ضدنا من كل صوب وحدب وأعداء الإسلام يعملون على تشويه صورته وإلصاق التهم الباطلة به .. وما يساعد على نشر الصورة المغلوطة عن الإسلام ورموزه والمسلمين هو جهل الآخر بمبادئ الدين الحنيف لذلك يجب على المسلمين في كل مكان تقديم الصورة الصحيحة لدينهم واتباع منهج الله ورسوله وتوضيح مبادئ الدين بالحكمة والموعظة الحسنة .. فالدعوة انتشرت واستمرت بأخلاق النبي الكريمة المتسامحة ويكفي أن الله سبحانه تعالى قال في كتابه الحكيم "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا".. فلو طبقنا كلام الله لحصلنا على سعادة الدنيا والآخرة.
كل عام وجميع المسلمين بخير.

* * *
حروف جريئة
القرار الذي أصدرته الهيئة العامة لحماية المستهلك بحظر تداول السيجارة والشيشة الإلكترونية وفرض غرامات مالية على من يخالفه قرار صائب لأن ما لا يعرفه من يتعاطى هذه المحظورات أنها تسبب أمراضا خطيرة أقلها الالتهاب الرئوي الحاد .. وبالتالي فالقرار للحفاظ على صحة المواطنين .. كذلك قرار الهيئة بحظر تداول الملابس التي تخالف الشرائع السماوية أو التي تحتوي على شعارات وصور خادشة للحياء فإنه يحافظ على الآداب العامة للمجتمع فنحن مجتمع محافظ ومتدين ويجب أن يلتزم الجميع بهذه الصفات حتى نحافظ على استقراره.. فكل التحية للهيئة العامة لحماية المستهلك.

نتمنى أن يحقق اتفاق التسوية الذي وقع عليه فرقاء ليبيا مؤخرا تحت رعاية الأمم المتحدة الاستقرار والأمن للبلاد حتى تتفرغ الحكومة الموحدة للخطر الذي يستشري في بلادهم فداعش ترسخ أقدامها في ليبيا وأهلها يتنازعون على مناصب زائلة.

يبدو أن محرك البحث جوجل بدأ تنفيذ مخططات تقسيم الدول العربية حيث فوجئ مستخدمو خرائط جوجل في بلاد الرافدين بتغيير مسمى "محافظة البصرة" إلى "إقليم البصرة" .. ترى هل هو خطأ مطبعي أم استباق لواقع سيراه العراق قريبا ؟.

مجلس الأمن الدولي أصدر قرارا بمكافحة تمويل الإرهاب في محاولة لمنع وصول الأموال للإرهابيين .. وهل تصل الأموال لهذه التنظيمات بالطرق الشرعية حتى يمكن منعها ؟.

* * *
مسك الختام
قال تعالى : "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب (*) ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد".

ناصر اليحمدي