إيقاع المذابح في المدنيين العزل هي إحدى أدوات الإرهابيين على مر التاريخ لنهب الأراضي والممتلكات، وإرغام من يتبقى حيًّا من أصحابها إلى الهرب بأرواحهم إلى أماكن آمنة. وكان ـ ولا يزال ـ هذا هو منهج كيان الاحتلال الإسرائيلي في التعامل مع الشعب الفلسطيني، منذ ما قبل عام 1948م.
ولا يمكن فهم مبررات العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة بمعزل عن فهم مدى عمق الجرح الذي أصاب نفسية المحتل الإسرائيلي جراء الهزائم التي يتلقاها مشروعه التدميري بتغيير خريطة المنطقة وإعادة رسمها بما يتناسب مع توجه كيان الاحتلال الإسرائيلي ليكون القوة الأوحد في المنطقة وشرطيًّا عليها، حيث يشاهد مؤامراته وخططه وكافة أشكال دعمه اللوجستي للعصابات الإرهابية في سوريا تتحطم على صخرة صمود الشعب السوري وجيشه الباسل. كما لا يمكن فهم مبررات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عن الوضع العربي المتضعضع وتراجع الدعم العربي للشعب الفلسطيني وقضيته المركزية والعادلة ودعم فصائل المقاومة الفلسطينية، ومحاولة كيان الاحتلال الإٍسرائيلي استغلال حالة التراجع التي تعيشها بعض الفصائل الفلسطينية وخاصة حركة حماس نظرًا لمواقفها غير المحسوبة تجاه الأحداث التي شهدتها دول المنطقة في ظل ما يعرف بكذبة "الربيع العربي"، حيث يتوهم المحتلون الإسرائيليون أنها فرصة لضرب المقاومة الفلسطينية والقضاء عليها.
ومن الناحية الأخرى معروف عن سياسة الاحتلال الإسرائيلي أنها كلما شعر كيان الاحتلال بضيق هوامش الحركة التي جهزها عبر السنوات الماضية ليتهرب عن طريقها من أي التزام تجاه السلام، أشعلت قواته المنطقة بالاعتداءات والمذابح والاتهامات الطائشة يمينًا ويسارًا تجاه الشعب الفلسطيني وكل دولة عربية، كما هو حال العدوان الإسرائيلي أمس على قطاع غزة باستهداف ثلاثة من سرايا القدس الجناح المقاوم التابع لحركة الجهاد الإسلامي وسقوط المقاومين الثلاثة شهداء في قصف صهيوني غادر أثناء عملية التصدي لتوغل الاحتلال شرق خان يونس، حيث يحاول كيان الاحتلال الإسرائيلي خلط الأوراق والتشويش في ظل ما يعانيه من ضغط نفسي كبير جراء فشله في تمرير مطالبه قسرًا على الشعب الفلسطيني بالاعتراف بما يسمى "يهودية الدولة" الخاصة بالشعب اليهودي، رغم أنه يرى أن الظروف الراهنة في المنطقة وتحول الكثير من الجماعات المسلحة التي تعمل على تدمير الدول العربية تحت أكاذيب "الثورات" و"الربيع العربي" وغيرها من الشعارات البراقة الكاذبة والخادعة، خادمة لسياسة كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يشعر بغصة حقيقية لعدم القدرة على إخضاع الجانب الفلسطيني المفاوض تحت الإرادة الصهيو ـ أميركية للتنازل عن الثوابت الوطنية الفلسطينية، كالقدس وحق اللاجئين في العودة وحدود عام 1967م. وفي آخر التقليعات الإسرائيلية والعراقيل الجديدة التي جاءت على لسان المتطرف بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي أن يعترف الفلسطينيون بما يسمى "يهودية الدولة" ويتنازلوا عن "عودة اللاجئين" قبل البدء بأي مفاوضات معهم، ما يؤكد أن المفاوضات التي استؤنفت بضغط من وزير الخارجية الأميركي جون كيري هي مفاوضات عقيمة وعبثية كسابقاتها، ويؤكد كذلك أن ما يطرحه كيري من "اتفاق إطار" مصيره كمصير خريطة الطريق وغيرها من المعاهدات والاتفاقيات السابقة.
لقد أدت المواقف المتخاذلة للمجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى تشجيع المحتلين الإسرائيليين على الاستهانة بدماء الشعب الفلسطيني ومطاردة قياداته وقتلهم مع كل بادرة سانحة سرًّا وجهرًا، والتنمر على حقوقه بإعطاء المحتلين الفرص المتوالية للتهرب من استحقاقات السلام، والتملص من كافة الالتزامات الواجبة عليهم شرعًا وقانونًا. ولذلك من الوارد أن نشهد جرائم حرب واعتداءات كثيرة من قبل كيان الاحتلال الإسرائيلي في أي اتجاه في ظل المناخ العربي والدولي المشجع على ذلك.