**
قبل أيام تقابل صديقان في مناسبة اجتماعية في جبال ظفار، صار أحدهما مهندسا وتاجرا يمتلك عقارات ومصانع وأموالا، بينما بقي الآخر راعيا للغنم ويعمل حارسا في مدرسة. منذ أربعين عاما كانت فرصتهما متساوية تماما، فقد ولدا معا في 1975 في أحد المراكز الإدارية في احدى النيابات بولاية طاقة، وعندما بلغا سن الدراسة التحقا معا بالصف الأول ابتدائي، وحصلا معا على الملابس الدراسية والقرطاسية والإقامة مجانا بالإضافة إلى مبلغ 15 ريالا عمانيا كان كل طالب يتلقاها من الحكومة كمعونة محفزة لترغيب الآباء في الحاق أبنائهم بالتعليم. وخلال العام الدراسي كانا بخيت ومسعود يحظيان كغيرهما من طلبة تلك المدرسة الريفية بالفحص الطبي المنتظم، والتغذية السليمة والمتابعة المستمرة والرعاية الشاملة، الأمر الذي سهل لهما متابعة التعليم حتى اجتازا المرحلة الابتدائية، وبعد ذلك تفرقت بهما السبل؛ فأما بخيت فقد استمر في الدراسة بمثابرة واجتهاد حتى اجتاز المرحلة الثانوية بتفوق ثم التحق بجامعة السلطان قابوس تخصص الهندسة المدنية، حتى استطاع بعد خمس سنوات أن يتخرج بتقدير مشرف مكنه أن يعمل في قطاع شركات البترول بينما تسرب مسعود من المدرسة وعاد راعيا للغنم، وعندما تخرج بخيت كان مسعود قد تزوج وأنجب ويمتلك قطيعا من الغنم ويعمل في وظيفة بسيطة كحارس في مدرسة. تعانق الرجلان بشوق، واستدعيا من أعماقهما التاريخ الجميل الذي استطاع بخيت أن يشكله ويصنع منه مستقبلا مشرقا ومضيئا، واستمر ينتقل بين مراحله المشرقة عبر سنوات الجد والمثابرة والانتظام والانضباط، وها هو اليوم في سن الأربعين من عمره وقد حقق الكثير من الإنجازات. بينما توقف الزمن عند مسعود فلزم مكانه وبقي حبيس ظروفه الشخصية والمالية والاجتماعية. يتحدث مسعود بإعجاب عن زميله بخيت ويعزو نجاحه إلى الحظ، وكثيرا ما يحدث ابناءه بأن بخيت لم يكن أكثر نبوغا منه، لكنه كان أكثر حظا، ولقي فرصا أكثر من تلك التي توفرت له. وفي المقابل فإن بخيت يبتسم ويعزو نجاحه إلى توفيق الله أولا ثم إلى سر رغبته العارمة في التعليم واستثماره لوقته واقتدائه بالناس الناجخين الذين تخرجوا قبله وكانوا محل تبجيل وتقدير بين أبناء القبيلة. كنت أستعيد هذا الموقف الذي يتكرر كثيرا في كثير من مناطق السلطنة، فقد حظي جميع المواطنين بفرص غير محدودة لإعادة تشكيل أوضاعهم المالية والمهنية والصحية والاجتماعية، وأتاحت الحكومة لكل مواطن عماني فرص حراك اجتماعي يستطيع خلالها تحطيم أغلال النبذ والتفرقة والعصبية التي كانت سائدة فيما مضى. واليوم يفتخر العديد من المواطنين بما حققوا بينما يحن الفاشلون إلى الماضي ويجعلون منه حائط مبكى على الماضي الذي كان يمنحهم التميز ويرفع مقاماتهم فوق الآخرين.
جعلت أرجع في الزمن وأتفحص الفرص الكثيرة التي أتيحت ثم أرجع الى الحاضر فأرى فرصا غير محدودة لكل راغب في الصعود والنجاح، فمؤسسات التعليم كثيرة جدا، وفرص العمل الذاتي الحر تحظى بالدعم وتفتح المجال لكل راغب في صناعة المال، كما أن فرص الأعمال الحرفية غير محدودة أيضا، فبوسع كل شخص أن يكون صيادا أو مزارعا أو راعيا أو أي يعمل في أية حرفة يحبها. الشرط الوحيد الذي يجب أن يستوعبه الجميع ويلتزمون به هو معرفة ماذا يريدون وبناء على ذلك على كل راغب في النجاح أن يسأل نفسه: في مثل هذا الوقت من العام المقبل أين أريد أن أكون؟!.

د. أحمد بن علي المعشني
رئيس مركز النجاح للتنمية البشرية