**
يعدّ الطريق إلى الثروة، مع وجود الرغبة الكامنة للحصول عليها سهل كالطريق المؤدي إلى الحانوت او السوق فذلك يتوقف على مفهموين هما: الاجتهاد الفعلي، والاقتصاد الفاعل، أي من أراد الحصول عليهما فعليه ألا يهدر الوقت كما لا يسرف في المال بل عليه أن ينتفع بكليهما المال والوقت رفيقان وجب الانتفاع بهما ليعودا بالنفع علىينا. فمما لا يتنازع عليه اثنان أنّ الإنسان بطبيعته يتفانى في سبيل تحصيل المال راغبا في استيفاء واستكمال أسبابه الحياتية المفضية إلى السعادة فلا حيلة لفقير انصهر في لجة من الكسل والخمول وطلق عندئذ النشاط والاجتهاد فما من أحد إلا وتطلّ عليه الثروة في حياته بيد أنها إن وجدته غير مستعد لاحتوائها فإنها تخرج من بيته فتفرّ من شبابيك داره ويبقى بخفي حنين.
في ضوء ما جاء من تقديم يعنى بالمحافظة على المال والادخار الحميد له، وجهت إحدى المحاضرات سؤالا غير اعتياديا للمشاركين في البرنامج بقولها: أين ذهبت أموالكم خلال الاسبوع الفارط؟ احتار المشاركون في تقديم جواب دقيق، فما ذهب من أموالهم أدراج الرياح ليس بالهين ولا بالقليل فمنهم من قال بانه في كل يوم عند الظهيرة يتوجه إلى المقهى لتناول الفطائر والساندويتشات وأخر قال بأنه يصرف للنزة وتعبئة الوقود لمركبته ومنهم من قال بأنه لشراء الكماليات البيتية وشراء الغذاء وغير ذلك من المصاريف غير الضرورية او الحيوية بل كان معظمها يتسم بالبذخ واللامبالاة في الدفع لما هو غير سليم للصحة العامة كما هو سبب في الاستهلاك غير الضروري، أوقفت المحاضرة درسها وتفرغت لحساب ما يصرف للغذاء اليومي لطلبة المدارس والموظفين وغيرهم فأخذت نموذجا من الحضور الذي يأكل في اليوم بمقدار ريال ونصف يدفعه للوجبات السريعة ففي الاسبوع بلغ ما يدفعه أكثر من عشرة ريالات، وفي الشهر يصل الى خمسة واربعون ريالا، أما في العام فبلغ أكثر من خمسمائة ريال..!! فهل أدركنا حجم الخطورة التي نقلل فيها من قيمة المال ولو بيسة واحدة؟ كذلك هل نعي خطورة استبدالنا بأكل المنازل بآخر لا نعلم مدى سلامته كما لا نعلم مكوناته وربما أثبتت بعض الدراسات الحالية بأنه سبب لأمراض العصر المتعددة..!!
حين نهدر أموالنا دون أن نحاسب أنفسنا ونعرضها للأمراض فيعني أننا فعلا نتخلى عن القيم الصحية المتعلقة بالمحافظة على الصحة والسلامة الجسدية مع تلف أموالنا وهدرها وفقدانها دون شعور بقيمتها، دون أن نستشعر بأنّ المال صعب المجيئ سهل المغادرة ولا يستأذن صاحبه في الانصراف وتناسينا بأنّ المال ضيف يقابل بالترحاب في كل زمان ومكان وحين.
لقد استشعرنا عند طرح السؤال في تلك اللحظات بصعوبة الموقف، أين ذهبت أموالنا خلال الاسبوع الفارط؟ بل خلال الاشهر والسنوات الماضية سؤالا يستحق وقفة منا جميعا، فمعظمنا لا يعير آذانا صغواء لقيم الادخار والحفاظ على الصحة والسلامة حين نسترخص فتات الأموال وندفعها بشكل مكرر مع مطلع كل صباح دون أن نبحث عن بدائل عن وجبة إفطار صحية في المكتب او في مكان العمل او العلم ونستعيض بها بما يقدم في المطاعم والمقاهي المتخمة بالزيوت والمشبعة بمكونات غير سليمة لأجسامنا وفي ذلك يصحّ أن نقول هانت علينا أموالنا كما هانت علينا أنفسنا. ولما لا نستعيض بالبقاء في بيوتنا رفقة أسرنا وأمهاتنا وآبائنا نتعلل بوصالهم ونستلذّ بمرافقتهم عوض الخروج غير الضروري الذي يجبرنا على حرق عشرات من ليترات الوقود بشكل يوميّ ليصل ما يحرق من وقود يقدر بمبالغ ليست هينة حين نستصغر صغائر الامور فندفع لها أموالا طائلة نشعر بها بعد فوات الآوان.
علينا أن ندرك بأنه ليس من الصعب ولا من العسير العيش على دخل بسيط إذا أحسنا الادخار، ولم ننفق كثيرا لهدره وإنفاقه فيما لا يجدي نفعا وتأكد بأنك إن ذهبت إلى الحانوت ولم يتمكن صاحبه من أن يبيعك ما أنت لست بحاجة له فهذه براعة منك وتلك هي المسؤولية التي يجب المحافظة عليها في ظل الترف الواقع اليوم من كثير منا في الحياه فلندرك قيمة المال ولو كان ضئيلا.

د.خلفان بن محمد المبسلي
[email protected]