[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
.. نجح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في انتزاع توقيع رئيسي الولايات المتحدة الأميركية والصين ـ المسؤولتين عن 40% من الانبعاثات الحرارية ـ على الاتفاقية بعد طول مماطلة ورفض من الدولتين العظميين في قمم المناخ السابقة مخافة الالتزام بأي اتفاق يؤثر على معدلات النمو الاقتصادي, ويلزم الاتفاق الجديد الدول الموقعة عليه بخفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون خلال مدة أقصاها العشرون سنة القادمة.
اتفقت قمة المناخ التي عقدت مؤخراً بباريس على خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري, لإبقاء متوسط ارتفاع درجات الحرارة العالمية دون درجتين مئويتين, ورصدت 100مليار دولار لمساعدة الدول النامية على مواجهة القضايا البيئية, واتفق المجتعون على خفض استخدام الوقود الأحفوري ( النفط والغاز والفحم) وحددوا عام 2020م موعداً لتفعيل آليات هذا التخفيض, وتشجيع كافة الدول على استخدام التقنيات النظيفة لتوليد الطاقة, والاعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح, لتفادي الكوارث الطبيعية المترتبة على استمرار الاحتباس الحراري الذي أدى لحدوث العواصف والأعاصير في غير موسمها وموقعها والجفاف والتصحر في أماكن أخرى, فيما يعرف بظاهر النينو.
ويهدف اتفاق باريس إلى التخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم) المسؤول عن ارتفاع حرارة الأرض, ليتوقف استخدامه كما يأملون بحلول عام 2050م , كما تضمن الاتفاق استراتيجية جديدة في إدارة الغابات والأراضي الزراعية, وحث الاتفاق الدول البترولية على استخدام تكنولوجيا نظيفة في إنتاج النفط والغاز, ودعا الدول الكبرى للإفراج عن هذه التكنولوجيا وإطلاع الدول النفطية على وسائل الحد من الانبعاثات الغازية المصاحبة لعمليات التنقيب والاستخراج والتكرير, وأعطى الاتفاق مهلة للدول النفطية لتوفيق أوضاعها, والاستعداد لعصر ما بعد النفط وتحول الاقتصاد العالمي إلى نمو منخفض الانبعاث قادر على الصمود أمام التغيرات المناخية.
نجح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في انتزاع توقيع رئيسي الولايات المتحدة الأميركية والصين ـ المسؤولتين عن 40% من الانبعاثات الحرارية ـ على الاتفاقية بعد طول مماطلة ورفض من الدولتين العظميين في قمم المناخ السابقة مخافة الالتزام بأي اتفاق يؤثر على معدلات النمو الاقتصادي, ويلزم الاتفاق الجديد الدول الموقعة عليه بخفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون خلال مدة أقصاها العشرون سنة القادمة.
وشهد المؤتمر خلافات بين دول الشمال والجنوب حول درجة الحرارة التي يمكن اعتبارها عتبة للاحتباس الحراري ووجوب عدم تجاوزها, واتفقوا بعد عناء على أن تتحرك دول الشمال المتقدمة أولاً بحكم مسؤوليتها التاريخية عن الانبعاثات وتتحمل القدر الأكبر من التكاليف, وعدل المؤتمر آلية المسؤولية التاريخية عن أضرار التغير المناخي , والتي مثلت حساسية شديدة للولايات المتحدة التي تخشى الوقوع تحت طائلة المساءلة القضائية بتهمة التسبب في الاحتباس الحراري, وأدرج المجتمعون بنداً يوضح أن الاتفاق لن يشكل قاعدة لتحميل المسؤوليات القانونية أو المطالبة بتعويضات عن الأضرار البيئية بأثر رجعي.
يرجع الفضل لفرنسا في نجاح المؤتمر بحرصها على الخروج بقرارات ملزمة للحفاظ على البيئة, ففرنسا من الدول التي تنتهج سياسات بيئية صارمة, وهي أكبر مستخدم للطاقة النووية وتعتمد عليها بنسبة 85% في إنتاج الكهرباء وأقل البلدان الصناعية انبعاثاً للغازات الدفيئة, كما أن فرنسا الأولى أوروبياً في استخدام وسائل النقل الكهربائية, وحددت بعض الأيام في السنة تكون المدن الفرنسية خالية تماماً من السيارات, وفرضت غرامات رادعة على كل من ينتهك أو يلوث البيئة.
وتخشى فرنسا من أن يؤدي ارتفاع حرارة الأرض درجة أو درجتين لتحلل طبقة الجليد السرمدية المسؤولة عن تماسك وصلابة جبال الجليد, مما ينذر بحدوث انهيارات وانزلاقات أرضية في منطقة جبال الألب الفرنسية التي تحتوي على آلاف الأنهار الجليدية, والتي شهدت انهيارات وانزلاقات متكررة للتربة وأي زيادة في درجة حرارة الأرض يمكن أن تذيب المئات من هذه الأنهار وتقلص الكتلة الجليدية بدرجة كبيرة, مما يهدد آلاف المنتجعات السياحية ويقضي على رياضة التزلج على الجليد التي تجني فرنسا من ورائها الملايين , فضلاً عن الأضرار البيئية التي يخشاها الفرنسيون.
أوصى المؤتمر بتأسيس الصندوق الأخضر برأس مال مبدئي 9.3مليار دولار ويستهدف بالأساس دعم الدول النامية للتخفيف من ثلوث البيئة والتكيف مع تغير المناخ, تعهدت فرنسا وألمانيا بالإسهام في الصندوق بمليار دولار لكل منهما, وتعهدت بريطانيا بـ 1.2مليار دولار, وأميركا بـ 3مليارات وتعهدت 32دولة بتمويل الصندوق خلال السنوات الأربع القادمة, كما تم تخصيص 50% من المنح المالية التي تقدم للدول الفقيرة لمشاريع حماية البيئة, وقدر المؤتمر تكلفة مكافحة تغير المناخ على مستوى العالم بـ 100مليار دولار سنوياً حتى عام 2020م , تحتاج إفريقيا منها 10مليارات لإحلال واستخدام الطاقات المتجددة ومنع الاعتداء على الغابات المطيرة.
هناك تباين في نظرة دول العالم لمشكلة تغير المناخ, فالصين والهند تحولا بسرعة تجاه الطاقة المتجددة وتغير موقفهما الرافض للتخلي عن الوقود الأحفوري ليس بسبب المخاوف من الإضرار بالبيئة, ولكن لأنهما وجدا أن هناك فوائد اقتصادية يمكن أن يجنياها من وراء الطاقة المتجددة بعد أن تحولت الصين للمنتج رقم واحد للألواح الشمسية, والعملاقان الآسيويان الأكثر معاناة جراء الاعتماد على الوقود الأحفوري والذي يمكن أن يؤدي إلى كارثة في حالة عجزهما عن تأمين القدر الكافي منه لتلبية احتياجات هذه المليارات من السكان في البلدين في ظل التوترات الجيوسياسية المحيطة بمناطق إنتاج النفط والغاز , واقتنع البلدان أن الاقتصاد منخفض الكربون من شأنه تعزيز التصنيع المحلي وتحسين نوعية البيئة المحلية والحد من الضباب الدخاني الذي يخنق المدن الصناعية في الدولتين , ويؤثر على الصحة ويبطئ حركة السياحة المتنامية.
على الدول العربية المعتمدة كلياً على النفط والغاز في تلبية احتياجاتها من الطاقة اللازمة للاستهلاك السكاني وتنفيذ خطط التنمية أو الدول البترولية التي تعتمد على تصدير النفط والغاز, أن تتحرك الآن وتستثمر بجدية في بدائل النفط والغاز وتسرع الخطى في استخدام الطاقة المتجددة وتتهيأ لعصر ما بعد الوقود الأحفوري وعدم الارتكان لنظريات تتحدث عن صعوبة الاستغناء عن النفط والغاز في المستقبل القريب؛ بداعي ارتفاع كلفة الطاقة المتجددة, وعجز التكنولوجيا الخضراء حتى الآن عن تشغيل الآلات والمركبات والماكينات والأجهزة المنزلية بالطاقة الشمسية أو طاقة الرياح, فنحن لا ندري ماذا يخبئ لنا المستقبل من مفاجآت, فربما نصحو على اختراعات وحلول علمية تغني العالم عن استهلاك الوقود الأحفوري وتجعل النفط سلعة لا قيمة لها, فالأبحاث العلمية شرقاً وغرباً لا تهدأ في هذا المجال, والدول المتقدمة وضعت نصب أعينها أن يكون عام 2050م نهاية للوقود الأحفوري, ولن يغمض لها جفن حتى يتحقق هذا الهدف. ■