ها نحن أخي القارئ نواصل هذا الموضوع الإسلام يحترم جهود الآخرين ففي المحور الثالث عن التناقضات الشعارات الجوفاء هناك ثمة عدد من التناقضات عند الذين سارعوا بالتراضي والترحم على ( مانديلا ) ، واعتبروا روحه ( طاهرة ) وسألوا الله لها أعالي الجنان، من أهمها :
أولا : لطالما تباكى هؤلاء على كتاب الله تعالى ، واتهموا أهل العلم والفقهاء بهجره والاشتغال عنه ، فهاهم لم يكتفوا بالتخريص فيه بغير علم، بل أصبحوا يصادمون الثوابت التي قررها وأجمعت عليها الأمة قاطبة ، فما خبر هذا التباكي ؟ وأين ذهب هذا الشعار ؟!!
ثانيا : لطالما نادى هؤلاء بتحكيم ( العقل ) ونهوا عن الانجرار وراء العواطف ، متهمين غيرهم بأن العاطفة تسيرهم وتقودهم ، فما موقع هذا الموقف العجيب بين العقل والعاطفة ؟ ومن الذي ثبت ومن لعبت بفكره العواطف ؟ وما قولهم فيمن أعماه الإعجاب بالجهود الدنيوية فنسي الموازين الأخروية التي بينها القرآن بكل وضوح ؟
ثالثا : سيقول لك هؤلاء أن الترحم على الرجل إنما هو من باب العدل والاعتراف بالفضل ، فأين كان هذا المبدأ الذي لم تفقهه الأمة قاطبة واين كان يخفي وجهه حين امتلأت التغريدات والمنشورات بالنقد اللاذع لأهل العلم والفقهاء ، وتصويرهم أنهم هم السبب في تخلف الأمة وإعاقة تقدمها، واحتكارهم المعرفة وأنهم جعلوا أنفسهم أوصياء على الدين ويوزعون الصكوك وجعلوا قداستهم فوق قداسة الوحي المنزل ؟؟ أما وجد لهم مكان في حديقة العدل والإنصاف الغناء ، أما جاد غيث حسن الظن المنهمر عليهم بشيء ينبت في دوحتهم جانبا من النظرة والخضرة ولو شيء من سدر قليل ؟!!
رابعا : لطالما صمت الآذان بغلبة التقديس و( المبالغة ) في احترام العلماء ، وجعلهم كالأحبار الذين قدمت أقوالهم على أقوال الشرع ، ألا تلحظون أن بضاعة اليوم رائجة في سوق التقديس ، وقد رفس المبدأ القرآني واستبدل بالعواطف وجرّ العقل بزمام الإعجاب وعصبت عيناه بعصابة الانبهار؟
خامسا : لطالما اتهم هؤلاء أهل العلم بتحديد مصائر الناس، والتأله على الله في توزيع الناس في الجنة والسعير، رغم أنهم – رحم الله ميتهم وبارك في باقيهم – لا يحكمون على أحد بعينه بجنة أو نار إلا بدليل قطعي ، فيما يعرف عندهم ب ( ولاية الحقيقة وبراءة الحقيقة ) ، إنما يقررون ما قرره القرآن بأن من مات على كذا فمصيره كذا كما بينه الدستور الخالد ، أما فلان وعلان ممن لم ينص عليهم القطعي باسم أو وصف فالعلم عند الله بخاتمته ومصيره وهلاكه أو توبته ونجاته، بينما نجد هؤلاء ( المترحمين) يتعامون عن الموازين الثابتة في كتاب الله ، ونهي القرآن عن الاستغفار للمشركين ، لينازعوا الله في حكمه فيسألوه ما أخبرهم مرارا باستحالته، وقد بين لهم أنه لا يبدل القول لديه ، فياللعجب !!
المحور الرابع : نتائج وحقائق
أولا : شكرا لـ ( نيلسون مانديلا ) على ما قدم من جهد دنيوي ، نفع به الإنسانية ، ولا نجرؤ على الحكم عليه بنار أو جنة فأمره إلى الله ، وهو أعلم بخاتمته وما حواه قلبه ، إنما تعبدنا بالحكم الظاهري ، ونهينا عن الاستغفار لأهل الشرك وعلينا الامتثال ، حتى لا نكون ممن يرفع شعار العودة للقرآن ويتعامى عن ثوابت القرآن .
ثانيا : مع الشكر والتقدير لجهود الرجل فلعل بعض من يسارعون في الترحم عليه ويصوروه وكأنه رسول النضال وعدو التمييز الأوحد ربما لم يسمعوا بمانديلا إلا يوم وفاته ، ونسوا أو تناسوا أن ثمة مناضلين مسلمين كانت لهم جهود كبيرة في هذا المضمار وتحملوا مشاق وصعاب في المجال أمثال الشيخ عبدالله هارون وغيره ، ولقد كان المسلمون أكثر معاناة من غيرهم وسجلت لهم بصمات واضحة في الجهاد ضد العنصرية رغم قلة عددهم ، وربما لا يعرف هؤلاء أن جهد مانديلا لم يقم معلقا في الهواء وإنما سبقه نضال ، وأعانه في عهده مسلمون آخرون تكامل جهدهم مع جهده ، فحري بهم أن يذكروا معه ، وعلى رغم مخالطته للمسلمين وتعاونهم معه في نضاله إلا أنه رفض الإسلام عندما دعاه الشيخ الراحل أحمد ديدات، وفضل البقاء على شركه .
ومن هنا فقد بقي بعد موت الرجل استفادة البشرية من جهوده ، ومواصلة الجهد فيما ينبذه الإسلام وتأباه الفطرة السليمة من التمييز العنصري .
ثالثا : رسالة أوجهها خصيصا للذين يدندنون دوما أن العلماء يحاولون التحكم في مصائر الناس، وتقسيمهم في الجنة والسعير ويوزعون صكوك الغفران لمن شاءوا ، أننا – ولله الحمد – وجدنا علماءنا الأجلاء يحذرون ويحذّرون أيما تحذير من الحكم على أحد بعينه بالنار دون دليل قطعي باسمه أو وصفه، كفرعون وابي لهب وغيرهم ، أما أعيان الناس فطالما أكدوا للناس – بما تعلموه من كتاب الله تعالى – أن علينا أن نحكم عليهم بحكم الظاهر ، باعتبار الوقوف هو الأصل ، ومن ظهر صلاحه واستقامته فهو في الولاية كما أمرنا الله تعالى، ومن ظهر كفره أو شركه فهو في البراءة ، ولا يجوز لنا أن نودهم وقد حادوا الله ورسوله ، فقد نهانا القرآن عن ذلك ، ولا يجوز لنا أن نترحم عليهم ولا نستغفر لهم ، وقد نهانا كتاب الله عن الاستغفار حتى للأقرباء منهم ، وليس في ذلك تأله على الله ، بل التأله على الله والاجتراء عليه ، في طلب الرحمة لمن قرر القرآن الكريم أنهم آيسون منه ، هذا ما تعبدنا الله به ، أما المصير الأخروي فهو بيد الله تعالى لا علم لنا به ، ولا نحكم بهلاك أحد بعينه ولو مات على غير ملة الإسلام ظاهرا أو مات وزجاجة الخمر في يده ..
فلا داعي لما يقوم به البعض من العزف المستمر على هذا الوتر ، فمبادئ عقيدتنا واضحة جلية، سواء كانت في أحكام الولاية والبراءة الدنيوية التي أمرنا بها ، وتعبدنا الله بانتهاجها، أو في المصير الأخروي للأعيان الذي استأثر الله بعلمه ، فلا خلط ..

محمد بن سعيد المسقري
[email protected]