كم أناس أرصدتهم في الفهم أصفار، وثروتهم في الكفاءة بلغت حد الإفلاس، وأما مدخراتهم في الأخلاق فقد نضبت فهي خاوية على عروشها، ومع ذلك تراهم قد تسنموا مقاعد ليست لهم، وتربعوا عروشا هي لغيرهم، ولبسوا عبايات لا يملكونها وتزينوا بخناجر سلبوها من أصحابها فكانوا وبالا على البلاد، وبلاء على العباد، غمطوا أهل الحق وأدنوا أهل الباطل، ووأدوا ذوي الألباب ووالوا الأغبياء، وأزاحوا أصحاب الكفاءات والقدرات، وأحلوا محلهم ذوي العاهات والبطالات.
كذبوا على أنفسهم حين أوهموها بأنهم عكس حقيقتهم وباستمرائهم لذلك الوهم الزائف تشربته عقولهم الباطنة وصدقته وهذه هي الكارثة بل الحالقة.
إذا تكلم أحدهم ظن أن لسانه لا يصدر عنه إلا دُرراً من الحكم، تضاهي حكم لقمان الحكيم أو الشافعي صاحب العقل الفريد. وإذا تصرف أيقن أن ما فعله ما هو إلا الصواب الموافق للحق، وأن الخطأ قد ضل عن طريقه وبعد عنه بعد المشرقين.
يريد من الكل حين يتكلم أن ينصت إليه وينفذ ما يأمر به ولا يخالفه قيد أنملة، وليت الأمر يقف عند هذا الحد بل يتجاوز ذلك إذ يريدهم أن يطوعوا عقولهم وتفكيرهم، ويوطنوا قلوبهم وعواطفهم لتقبل كل ما يصدر عنه وتسلم به وهي في منتهى الرضا.
شخصية عجيبة لا ترى غيرها شيئا أمامها بل ينظر إليها على أنها صغيرة في منزلة الصبيان ناقصة الأهلية، لا تفهم ولا تفقه، لا بد أن تكون تحت وصايتها أو خاضع لولايتها. فلا تتصرف في شيء دون أخذ رأيها، ولا تقوم بشيء إلا بعد مشورتها ومباركتها.
وما درى المسكين بأنه مصاب بداء يسميه علماء النفس انفصام في الشخصية. ويسميه علماء المنطق بالجهل المركب.
فمن كان هذا شأنه ماذا ينتظر منه؟ فهل ينتظر من رصيده صفر لا يملك قوت يومه قد أرغمه الفقر التراب أن يتصدق على الفقراء، ويطعم الجوعى، ويواسي المعوزين. إننا نكون واهمين عندما ننتظر من مفلسي الفهم، وفاقدي الأخلاق، ومن كانوا في الحطيط في مجال الكفاءة أن ينهضوا بأممهم، أو يُؤَثِّلُ لها مجدا، أو يرفعوا لها راية، أو يكسبوا لها مغنما، ففاقد الشيء لا يعطيه. فلن ترى أمتي نورا يسطع في ربوعها ولا خيرا يسري في عروقها إذا الأصفار تربعت فيها وتمكنت من مقدراتها. ففي ظل ذلك لا نهضة نرمي إليها يمكن أن تتحقق كما نريد، ولا خطة نطمح في نجاحها يمكن أن تأتي بثمار يانعة، ولا مجدا نأمل في نيله يمكن أن نصل إليه. فلا مناص للخلاص من ذلك إلا بالرجوع إلى ما أرشدنا إليه سلطان البلاد المفدى حفظه الله ورعاه حين قال: لابد من وضع الرجل المناسب في المكان المناسب. وهذا لن يتأتى إلا حين نخلص لهذا الوطن ونتجرد من كل المؤثرات والعواطف، ونتطهر من الشفاعات والواسطات ونتخلص من المحسوبيات.

د. سالم بن على الذهب
محام ومستشار قانوني ومراقب شرعي
[email protected]